فصل : في ذكر بعض الروايات الظاهرة في أنّ : العلم هو النور بمعناه الحقيقيّ ، أو اللائح منها ذلك ، ولا بدّ قبل إيرادها من بيان أمرين :
الأول : أنّ ما ذكرناه أو نذكره من الروايات في باب العلم والعقل إنّما هي تذكرة من الأئمّة عليهمالسلام ، أو إرشاد إلى الأمر الظاهر بذاته الذي نجده ولو إجمالا ، فليس التمسّك بها من باب التعبّد المحض ، بل هي إرشاد إلى الحقائق ، فالدليل على ما ذكرنا هو الوجدان المؤيّد بكلام المعصوم عليهالسلام ، بل الدليل هو نفس العلم والعقل المعرّفين بذاتهما لذاتهما.
ففي باب العلم نجد أنّ المحسوسات بالحواسّ الظاهرة أو الباطنة ، من جواهرها وأعراضها ، ومنها أرواحنا ـ أي أنفسنا التي نعبّر عنها بلفظة أنا ـ كلّها أمور مظلمة ، ويكون ظهورها بنور خارج عنها يعبّر عنه بالعلم ، فنكون بوجداننا إيّاه واستضاءتنا به عالمين ، وبفقداننا إيّاه جاهلين.
ومنزلة هذا النور بالنسبة إلى تلك الأمور ـ من جهة ـ منزلة النور المحسوس بالنسبة إلى سائر المحسوسات ، مع فرق ظاهر بين نور العلم وهذا النور المحسوس ، وهو أنّ نور العلم ظاهر بذاته ، والنور المحسوس ظاهر لنا بنور العلم ، فالنور بمعناه الحقيقيّ هو نور العلم ، كما أشرنا إليه سابقا ، وإن كان يطلق لغة وعرفا على النور المحسوس الذي هو من الكيفيّات الجسميّة أيضا.
ومن وجوه الفرق أنّ النور المحسوس ـ مثل نور البصر ـ يبصر ، ونور العلم أجلّ من ذلك ، بل به البصيرة والبصر. ومنها أنّ النور المحسوس في عرض سائر الجواهر والأعراض ، ونور العلم فوقها لا بالفوقيّة المكانيّة.
الثاني : قد يطلق النور على النور المحسوس بحاسّة البصر الذي هو من لواحق المادّة ، كنور الشمس وغيرها ، وقد يطلق ويراد به النور الحقيقيّ الظاهر بذاته الذي به ظهور كلّ شيء حتى الأنوار المحسوسة ، كما نبّهنا عليه ، وقد يطلق على ما هو السبب لوجدان النور الحقيقيّ ، كالقرآن ، والكتاب ، والنبيّ والإمام ، فمتى أطلق على القرآن ، أو النبيّ ، أو الإمام ، فلعلّه من قبيل تسمية السّبب باسم المسبّب ، فليكن على ذكر منك كيلا يختلط عليك الأمر.