إليكم (١) ، وغير ذلك مما يطول ذكره؟
وهذه بعض التذكرات الراجعة إلى معرفة الله تعالى ، المعبّر عنها بالمعرفة الفطرية ، والفرق بينها وبين المعرفة بالعقل والآيات ، فنقول :
المعرفة بالآيات مطلقا من طريق العقل ، بما لها من المراتب المتفاوتة ـ من جهة تفاوت الآيات ، وتفاوت مراتب الإرشاد إليها ، وتفاوت مراتب التدبر والتفكر فيها ، وتفاوت مراتب العقول المطبوعة في أفراد الإنسان كمالا ونقصا ، وتفاوت التأييدات الخاصّة من الله تعالى ـ فإنّها وإن كان يطلق عليها المعرفة حقيقة ، إلاّ أنّ غاية هذه المعرفة حصول مجرّد التصديق والإيمان بوجود الصانع بما له من الكمالات من دون وجدان ووصول وعيان ، لامتناع الوصول والوجدان العلمي لنا بشيء إلاّ بإحدى المدارك الظاهرة أو الباطنة ، ومن طريق العلم والعقل ، وقد عرفت امتناع جميع ذلك بالنسبة إليه تعالى شأنه ، ولكنه ـ أي الامتناع ـ إنّما كان إذا كان المعرّف لذاته العلم والعقل. وأمّا إذا كان المعرّف بالمعنى اللائق بذاته هو ذاته القدّوس لا العقل ولا العلم فإنّه لا دليل على امتناعه.
وحيث يظهر من الآيات والروايات المتواترة معنى ، ويشهد به الوجدان في بعض الأحيان وقوع تلك المعرفة فضلا عن إمكانه ، فلا محالة يكون الوجدان ، أو العرفان ، أو الوصول ، أو العيان ـ المعبر بها في تلك الروايات المباركة ـ بالنسبة إليه تعالى بأمر آخر ، لا بالمدارك الظاهرة أو التصور ، أو التوهم ، أو بالعلم والعقل.
أمّا الوجدان فهو الذي يظهر للإنسان عند البأساء والضراء والشدائد ، وحين الانقطاع عن جميع الأسباب ، فيدعو الربّ تعالى شأنه حينئذ ويتضرع إليه ، من غير إدراك شيء بالمدارك الظاهرة أو الباطنة.
وهذا يحصل للمؤمن والكافر ، وبه يتمّ الله الحجة على جميع خلقه. وليس هذا من
__________________
(١) الأربعين للشيخ البهائي ١٧.