فهل مقتضى قوله : ليس في الدار غيره ديّار غير ما ذكرنا؟.
وأمّا فطرة فلأنّه مخالف للمكاشفة الظاهرة التي تحصل للمؤمن والكافر في البأساء والضراء ، وقد حكم الله تعالى بصحّتها في غير واحد من الآيات المباركات ، نحو قوله : ( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١). ومخالف أيضا للمكاشفة التي قد تحصل للمؤمن في بعض عباداته ودعواته ، حيث يترنّم فيها بقوله : أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت الربّ وأنا العبد ، وأنت المالك وأنا المملوك ... ، إلى غير ذلك من العبارات الحاكية طبعا أنّ المتكلم بها لا يرى نفسه جلوة من جلوات الحق المتعالي ، بل يراه غيره ، ولذا يتضرع إليه ويستغفر من ذنوبه.
وأمّا نقلا فلأنّ جميع الآيات المباركات ـ ولا سيّما نحو قوله : ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) (٢). و ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها ) (٣) ، تدلّ بدلالة الاقتضاء على غيريّة المنزل والمنزل إليه وفيه ، بالغيرية الحقيقية لا اعتبارية.
وكذلك الروايات المباركة الصادرة عن المعصومين المستفيضة ـ بل المتواترة معنى ـ الدالة على المباينة والمغايرة بمعناها الحقيقي بين الخالق والمخلوق ، والدالة على أنّ المخلوق خلق لا من شيء.
وخصوص قول أمير المؤمنين عليهالسلام في جواب الأعرابي الذي سأل عن معنى الواحد أنّه تعالى : لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (٤) ، فهل تقسيم حقيقة الوجود إلى مقام الأحدية والواحدية وما دون ذلك خارج عن التقسيم ولو في الوهم كما ذكرنا؟ وخارج عن قول الرضا صلوات الله عليه في خطبته : يوحّد ولا يبعّض (٥) ، وعن قول الإمام الباقر صلوات الله عليه : كلما ميّز تموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم ومردود
__________________
(١) العنكبوت ٦٥.
(٢) المائدة ٦٤.
(٣) النساء ٥٦.
(٤) راجع ص ٩٢.
(٥) راجع ص ٩٢.