المتواتر ـ كما سيأتي ـ : لأنّ مقال الشامخين الذي ارتضاه في غير واحد من كلامه ، منه ما نقلناه عنه سابقا من أنّ كل ما يقع عليه اسم الوجود بنحو من الأنحاء فليس إلاّ شأنا من شئون الواحد القيوم.
ومنه : أنّ جميع الموجودات عند أهل الحقيقة والحكمة المتعالية ـ عقلا كان أو صورة نوعيّة ـ مراتب أضواء النور الحقيقي وتجليات الوجود القيّومي الإلهي.
ومنه : كلامه الآخر الذي أنكر فيه العلية والمعلولية في الوجود.
ومنه : قوله بأنّ فاعليته تعالى بالتجلي ، ومنه قوله بأن ليس في الدار غيره ديّار.
ومنه : ارتضاؤه بما قال ابن عربي في الفتوحات والفصوص ، بقوله في شأنه أنه لا يجازف في القول ، وغير ذلك من كلماته.
وبالجملة : لازم ذلك المقال أنّ مراده من أضواء النور الحقيقي هو المراتب الضعيفة من الوجود ، وكذا المراد من الوجود الظلي ، إذ مفروض كلامه أن لا واقعيّة لشيء سواه.
وهذا مما يخالفه العقل والفطرة والنقل المتواتر معنى.
أما عقلا فلأنّه ( مضافا إلى بطلان الأدلّة التي استدلّوا بها على إثبات وحدة الوجود والموجود كما بيّناه ) عين التغير المنفي عقلا عن الذات الأزلي ، كما أشار إليه صلوات الله عليه بقوله : لا يتغير الله بانغيار المخلوق (١).
ولاستلزام القول به صحّة نسبة اللهو والعبث واللعب بنفسه إلى نفسه القدوس ( الذي نزهه عنها بقوله : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٢). وبقوله : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٣). في جميع أفعاله من بعث الرسل وإنزال الكتب وما حوته من البشارة والإنذار ونحوهما. بل لازمه القول بأنّه الفاعل لكل فعل يقع في عالم الوجود ، وأنّه أيضا المفعول ، كما التزموا بذلك في نفس الإنسان الذي هو آية للعالم الكبير ، في قولهم فيه باتّحاد العقل والعاقل والمعقول.
__________________
(١) البحار ٤ : ٢٢٨ ، عن التوحيد والعيون.
(٢) الأنبياء ١٦.
(٣) المؤمنون ١١٥.