الذي دعانا إلى إثبات تقدّم خلقة الأرواح بالروايات المباركات ـ وإن لم نكن في هذا المقام ـ تأييد الروايات المشتملة على فطريّة المعرفة بالله. وسنذكر الإشكالات التي أوردوها عليها والجواب عنها إن شاء الله تعالى.
وخلاصة ما ذكرناه أنّ مفطورية كل إنسان على معرفته تعالى وتوحيده ، وظهور هذه الفطرة في البأساء والضراء وفي بعض الحالات التي ينقطع فيها عن التوجّه إلى غيره تعالى ، في الصلاة وفي غيرها من العبادات ممّا يشهد به الوجدان ، وتدلّ عليه الروايات المتواترة التي تقدّم ذكر بعضها ، وهي من إحدى الحجج ، كما قال الرضا صلوات الله عليه في خطبته : وبالفطرة تثبت حجّته (١) وأشار إليه قوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (٢).
أقول : لو سألت من اتّفق له تلك المكاشفة ـ ولو في دقيقة ـ إلى من التجأت وإلى من تضرّعت؟ إلى شيء أم لا؟ ليقولنّ : إلى شيء لا كالأشياء.
إلى حيّ أم إلى ميّت؟ ليقولنّ : إلى حيّ.
إلى قادر أم إلى عاجز؟ ليقولنّ : إلى قادر.
إلى سميع بصير أم إلى غير سميع بصير؟ ليقولنّ إلى سميع بصير.
إلى قريب أم إلى بعيد؟ ليقولن إلى قريب. كل ذلك بلا شبيه ونظير.
ويشعر بما ذكرنا لفظة الله في قوله تعالى : ليقولنّ الله الدال على كونه تعالى مفزعا لجميع المخلوقين في عين تحيّر قلوبهم في شأنه ، لمستوريّته عن حواسّهم وانقطاعهم عن درك ماهيته ، لكونه الفرد الذي لا نظير له.
وهذا معنى كونه تعالى واحدا ، ومعناه بالفارسية ( بى همتا ) ، كما صرّح به أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بعض الروايات المتقدمة في جواب الأعرابي حيث سأله
__________________
(١) البحار ٤ : ٢٢٨ ، عن التوحيد والعيون.
(٢) العنكبوت ٦١.