فعل العبد.
وعن الثالث بأنّ ما لا يعقل لا دليل عليه (١). والحمد لله.
وأمّا المشيئة والإرادة فحقيقتهما ـ كما في التقدير والقضاء ـ على ما يظهر من بعض الروايات ويصدقه الوجدان أنّها هي الأفعال الصادرة عن الفاعل القادر الملتفت ، المتقدمة على ما يصدر منه في الخارج ، إمّا تقدّما رتبيّا فقط ، كما في الأفعال الصادرة عنه متعاقبة ، مثل الكلمات المحسوسة المضبوطة المقدّرة ، الصادرة عن الخطيب العالم البليغ الماهر في التكلم ، فإنّ كلّ كلمة صدرت منه وإن كانت مسبوقة بمشيئة المتكلم وإرادته وتقديره وقضائه ، لأنّه لو لم يشأها ولم يردها لم تصدر منه ، ولو لم يقدّرها لم تتقدر بقدر معين ، ولو لم تكن بقضاء وعزم وجزم منه لم تتحقق ولم تمض في الخارج ، إلاّ أنّها لسرعة نفوذها ووقوعها تتداخل ، بل تكون جميعها فانية في الفعل الخارجي الصادر منه ، ولذا لا يتميز ولا يتأخر إحداها عن الاخرى ، بل لا يتأخر متعلقها وهو الفعل الخارجي أيضا عنها زمانا ، بحيث لا يرى في الخارج إلاّ المتكلم والكلام الصادر منه.
وإمّا تقدّما زمانيا أيضا ، بحيث يظهر ويتميز إحداها عن الأخرى ، وعن الفعل الصادر منه ، وذلك فيما إذا تعلقت المشيئة والإرادة بالفعل المتأخر زمانا. مثلا في الذهاب من مكان إلى مكان آخر نتصور أوّلا ونهتمّ بأصل هذا الذهاب ، ويعبّر عن هذا بالذكر الأوّل ، وبالمشيئة. فإذا ثبتنا على هذه الفكرة وهذا الذّكر يعبّر عنها بالإرادة. ثم نقدّر الذهاب بأنّه في أيّ زمان ، ومن أيّ طريق ، وبأيّ وسيلة ، ويعبّر عنه بالتقدير. ثم نعزم على العمل ، ويعبّر عن هذا العزم بالقضاء. فإذا تمّت تلك الامور نشرع في العمل ، ويعبّر عن هذا الشروع بالإمضاء أي الإجراء في الخارج.
والظاهر من الروايات ثبوت هذه الامور لله تعالى وصدورها عنه على الترتيب المذكور ، ولكن لا بنحو ثبوتها وصدورها منّا ، بل هو كتابة وثبت إجمالي ثم تفصيلي في لوح ووعاء مخصوص لا نعرف حقيقته ولا كيفية كتابته ، إلاّ أنّ مقتضى الدليل العقلي والنقلي أنه كسائر أفعاله لا يوجب تغييرا في ذاته تعالى شأنه.
__________________
(١) نهج الحقّ للعلاّمة الحلّيّ : ١٢٥.