المباركات ، والحجّة إنما تتمّ عليهم إذا وقع إنكارهم في حال الالتفات إلى العهد الذي عاهدوه ، وإقرارهم الذي أقرّوا به ، فإنّ العهد والإقرار المنسيّ لا يحتجّ به ، ومن المعلوم أنّ بني آدم لا يلتفتون إلى الميثاق المذكور ، فكيف تتمّ الحجة عليهم؟!.
وفيه : أنّ إتمام الحجة يحصل بثبوت المعرفة في قلوبهم ولو كانوا ناسين للموقف ، كما دلّت عليه الآية المباركة ، فليس متوقّفا على التوجه إلى خصوصية الموقف بعد ثبوت نتيجته في فطرة الإنسان. فالمنكر للربّ مكابر لفطرته التي فطر عليها من التوجه إلى الله تعالى قهرا ، لا سيما مع تجلّي هذه الفطرة بوضوح في مواقع الشدة والانقطاع من الأسباب ، كما دلّت عليه الآيات المتقدمة (١).
ومنها : أنّه لا يعقل اتّساع ظهر آدم على صغره لتلك الذرّات التي هي بعدد بني آدم من أوّلهم إلى آخرهم.
وفيه : أنّه مع فرض صغر الذرّات جدّا وعظم جثة آدم ـ على ما تشهد به بعض الروايات ـ لا مانع عقلا من اجتماعها في صلبه.
ومنها : أنّ القول بوجود عالم الذرّ ملازم للتصديق بالتناسخ ـ وهو تعلّق الأرواح بأبدان اخر مغايرة للأبدان الأولى ـ وهو باطل.
وفيه : أنّ التناسخ الذي قام الإجماع بل ضرورة الدين على بطلانه هو القول بأنّ الذي يجزى الإنسان به عبارة عن تعلّق نفوس السعداء والأشقياء ، أو الأشقياء فقط ـ على اختلاف بين القائلين ـ بأبدان غير أبدانهم في هذه النشأة ، فبعضهم جوّز انتقال النفس بعد الموت من بدن إلى بدن إنسان آخر ، وهو النسخ ، وبعضهم جوّز الانتقال إلى بدن حيوان غير الإنسان ، وهو المسخ ، بل إلى النبات ، وهو الفسخ. أو الجماد ، وهو الرسخ. ولا معاد إلاّ ذلك. وهذا هو الذي قامت ضرورة الدين على خلافه.
والأدلّة التي أقاموها على البطلان ـ على فرض تماميتها ـ إنّما تدلّ على بطلان تعلّق نفس الإنسان ببدن آخر غير بدنه ، ولا تدلّ على بطلان تعلّقه ببدن واحد مع اختلاف حالاته من حيث الصغر والكبر والأعراض والحدود.
__________________
(١) راجع ص ١٠٠.