والآيات والروايات المتواترة معنى دالّة على وقوع المسخ في الامم السابقة ، وبعضها يدلّ على وقوعه في هذه الأمّة أيضا (١).
ومنها : ما أقام ملا صدرا من الاستدلال على امتناع تعلّق الروح ثانيا بالبدن مطلقا ، بعد خروجها عن البدن ، ولو بهذا البدن الذي تعلّقت به أوّلا ، وحاصله :
أنّ تعلق النفس ثانيا ولو بهذا البدن الذي كان تعلّقها به أولا بعد صيرورتها كاملة ومجردة عن هذا التعلق تخصّص بلا مخصّص ، وليس التخصص بلا مخصص في الامور الطبيعية ، فإنّ الامور الطبيعية والحوادث الكونية كلها مرهونة بالمصالح ، والغايات الحكمية والاستعدادات ، والفوائد ، والمناسبات العقلية. وليست التعلقات الطبيعية والذاتية كالتعلقات الإرادية الواقعة من الإنسان لأجل مصلحة وداعية جزافية أو عادية ، كمن توجّه ثانيا إلى خرابة عاش فيها مدّة وكانت معمورة ، ويريد تعميرها طلبا لما يتذكره من التلذذات والتنعمات التي وقعت منه فيها على سبيل المجازفة الشهوية ، من غير فائدة فكرية وغاية عقلية وملاحظة مصلحة رآها وحكمة كذلك ، فإنّ شيئا من هذه الامور لا يجري في الأسباب الذاتية للغايات الطبيعية.
ومنشأ حدوث النفس وتعلّقها هو الحركة الذاتية الاستكمالية لمادّة ما في الصور الجوهرية على سبيل الترقّي من الأدنى إلى الأعلى حتى يقع انتهاء الأكوان الصورية إلى النفس وما بعدها. وبعبارة اخرى : هي المناسبة التامة والاستعداد الكامل المخصص لها بهذه النفس الكذائية دون غيرها.
فبعد أن تتحرك النفس في ذاتها وجوهرها من المرتبة الأدنى إلى الأعلى وتمزّقت هذه الشبكة وصارت ترابا ورمادا ، وطار طائرها السماوي وحمامها القدسي إلى عالم الملكوت ، وخلص من هذا المضيق ، فأيّ مناسبة ذاتية واستعداد للأجزاء الترابية بالنفس المجردة؟ وأيّ تعلق لها ثانيا بالتراب وإن فرض مجتمع الأجزاء؟ ولو كان كذلك لكان كل تراب ورماد ذا نفس ، لاشتراك الجميع في الترابية والرمادية (٢).
__________________
(١) انظر ص ٢٤٨.
(٢) الأسفار ٩ : ٢٠٥.