وفيه : أنّ هذه الخطابة مبتنية على ما بناه من الحركة الجوهرية ، وعلى أنّ النفس جسمانيّة الحدوث وروحانية البقاء ، بمعنى أنّها تحدث بحدوث البدن ثمّ تتحرك بجوهرها إلى جانب الكمال حتى تتجرّد عن المادة وعن الجسمانية بمعناها الحقيقي. وهذا المبنى لم يقم عليه برهان عقلي ، وإنّما هي فرضية فرضها ، بل تدفعها روايات كثيرة دالّة على سبق خلقة الأرواح على الأجساد. بضميمة ما دلّ على أنّ روح البشر الذي هو حقيقته ، وكذلك الملك والجنّ ـ كسائر الأجسام ـ كلّها مخلوقة من جوهر واحد سمّي بالماء. والفرق باللطافة والكثافة ، والرقة والغلظة ، وسائر الأعراض.
ويقرب منه ما في تفسير الميزان حيث قال : وكيف الطريق إلى أنّ ذرّة من ذرّات بدن زيد ـ وهو الجزء الذرّيّ الذي انتقل من صلب آدم من طريقة نطفته إلى ابنه ثم إلى ابن ابنه حتى انتهى إلى زيد ـ هو زيد بعينه ، وله إدراك زيد وعقله وضميره وسمعه وبصره ، وهو الذي يتوجه إليه التكليف وتتمّ له الحجة ، وتحمل عليه العهود والمواثيق ، ويقع عليه الثواب والعقاب.
وقد صحّ بالحجة القاطعة من طريق العقل والنقل أنّ إنسانية الإنسان بنفسه التي هي أمر وراء المادة ، حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي ، وقد تقدم شطر من البحث فيها.
على أنّه قد ثبت بالبحث القطعي أنّ هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية ، ومنها التصديق بأنّ له ربّا يملكه ويدبّر أمره ، تحصل للإنسان بعد حصول التصورات ، والجميع ينتهي إلى الإحساسات الظاهرة والباطنة ، وهي تتوقف على وجود التركيب الدنيوي المادّي. فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق بأنّ له ربّا هو القائم برفع حاجته ... إلى أن قال ـ بعد ذكر وجوه أخر من هذا القبيل ـ : لكن الذي أحال هذا المعنى ( أي عالم الذّرّ ) هو استلزامه وجود الإنسان بماله من الشخصيّة الدنيويّة مرّتين في الدنيا ، واحدة بعد أخرى ، المستلزم لكون الشيء غير نفسه بتعدد شخصيّته (١).
وفيه : أنّ هذه الاستبعادات مبتنية على كون شخصية الإنسان متكوّنة في هذا العالم ، وكون النفس جسمانية الحدوث وروحانيّة البقاء ، وهو أحد المسالك في باب الروح ، وفي
__________________
(١) تفسير الميزان ٨ : ٣١٥.