طريق العقل والاستدلال بالآيات وإن كان العقل حاكما بوجوب التصديق والاعتقاد به عند حصول هذا العرفان والوجدان ـ بل يحصل هذا الوجدان وهذه المعرفة قهرا وقسرا ، عند الانقطاع عن جميع الأسباب ، وعند الوقوع في المهالك التي يغفل معه عن جميع الآيات وعن إعمال التعقل والتفكر ، وبعبارة اخرى بعد صحو جميع المعلومات الصحيحة ، ومحو جميع الموهومات الباطلة يظهر ويكشف للإنسان سبحات جلال الله ، كما هو محتمل الرواية المنسوبة إلى كميل بن زياد ، قال لأمير المؤمنين عليهالسلام : ما الحقيقة؟ فقال علي عليهالسلام : ما لك والحقيقة؟ قال : أولست صاحب سرّك؟ قال عليهالسلام : بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني ، قال كميل : أو مثلك يخيب سائلا؟! فقال علي عليهالسلام : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال : زدني بيانا ، فقال عليهالسلام : محو الموهوم ، وصحو المعلوم. الحديث (١).
وقد أرشد إلى هذه الحقيقة وهذا الوجدان ، واحتج بها على الكفار والمشركين بالشرك الجلي أو الشرك الخفي في آيات مباركة من القرآن العظيم :
( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (٢).
( وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) (٣).
( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً. وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) (٤).
( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا
__________________
(١) روضات الجنّات للخوانساريّ ٦ : ٦٢ ، عن رجال النيسابوريّ.
(٢) العنكبوت ٦٥.
(٣) لقمان ٣٢.
(٤) الإسراء ٦٦ ، ٦٧.