وأليق بأن يكون خطّا من هذه الخطوط المحدودة ، وإنّما هي داخلة في ماهيّة هذه المحدودات الناقصة لا من جهة حقيقتها الخطّية بل من جهة ما لحقها من النقائص والقصورات ، وكذا الحال في السواد الشديد واشتماله على السوادات التي هي دونه ، وفي الحرارة الشديدة واشتمالها على الحرارات الضعيفة. فهكذا حال أصل الوجود وقياس إحاطة الوجود الجمعي الواجبي الذي لا أتمّ منه ، بالوجودات المقيّدة المحدودة بحدود يدخل فيها أعدام ونقائص خارجة عن حقيقة الوجود المطلق داخلة في الوجود المقيّد (١).
وقال أيضا : اعلم أنّ الواجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة ، وكلّ بسيط الحقيقة كذلك فهو كلّ الأشياء ، فواجب الوجود كلّ الأشياء لا يخرج عنه شيء من الأشياء (٢).
أقول : المراد بغاية البساطة عدم التركيب الاعتباري ، أي التركيب من وجود وعدم ما سواه ، فهو عبارة أخرى عن أنّه كلّ الوجود.
ومراده من الماهيّات الحدود التي تمتاز وتتشخّص بها كلّ مرتبة من مراتب الوجود عن غيرها من المراتب ، وظاهر أنّ حقيقة كلّ حدّ من مراتب الوجود ليست إلاّ عدم ما سواها من المراتب ، ولذا قالوا : ليس لها حظّ من الوجود ، وبتعبيرهم الآخر : ما شمّت رائحة الوجود.
وأطلقوا الماهيّة أيضا على الوجود المحدود بحدّ أو حدود عدميّة ، ومعنى كون كلّ وجود محدود ضوء للوجود الحقيقي وظلاّ له ـ كما سنذكرها ـ أنّه مرتبة ضعيفة من مراتب الوجود التي يكون الوجودات الإمكانيّة المحدودة مطويّة مندكّة فيها ، تشبيها له بالظلّ الذي هو وجود ضعيف بالنسبة إلى ذي الظلّ ، وبالضوء من النور الذي هو وجود ضعيف بالنسبة إلى مجموع النور.
ومعنى كونه ظهورا من ظهورات أو تجلّيا من تجلّيات ذاته التي هي كلّ الوجودات
__________________
(١) الأسفار ٦ : ١١٦.
(٢) الأسفار ٢ : ٣٦٨.