غير ممازجة بين الروح وبين تلك الكمالات ، ومن غير أن تصعد الروح وترد في نشأة تلك الكمالات وتدخل فيها وتصير من سنخها ، ومن غير أن تتنزّل تلك الأنوار وتصير من سنخ الروح ، لتباين حقيقتهما. وموت الروح بفقدانها لتلك الأنوار.
وحياة البدن بولوج الروح الحيّة بالأنوار المذكورة فيه ، وموته بخروجها ـ أي الروح ـ عنه ومفارقتها إيّاه مفارقة كاملة ، ونومه بخروجها عنه مع بقاء علاقة بينهما ـ لا نعرف حقيقتها ـ على ما يظهر من الروايات.
وعود البدن حيّا في القيامة بجمع الأجزاء المتفرّقة المحفوظة عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، والتئامها وتشكّلها بالشكل الذي كان عليه في الدنيا ، وتصوّره بصورة قبيحة أو حسنة ، وولوج الروح الحيّة فيه كما كان عليه في الدنيا وحشره للحساب والثواب والعقاب جزاء بما عمل في الدنيا. وكلّ ذلك بمكان من الإمكان.
وورد في الروايات المعتبرة ما يظهر بالتأمّل فيه أنّ الفعليّة التي توهّم استحالة الرجوع منها إلى القوّة ، والاستدلال بذلك على استحالة عود الأبدان على ما كانت عليه في الدنيا لا موضوع لها ، ولا أقلّ من عدم الدليل عليه ، ولا يجوز الاعتقاد بخلاف ما دلّت عليه الروايات.
بل إنّ وقوعها فينا في كلّ يوم وليلة أقوى دليل على إمكانه ، فإنّا ـ مع ما في أبداننا من الصنائع المحيّرة للعقول ـ إذا نمنا بخروج الروح الحيّة عن البدن يسلب عن أرواحنا الشعور بنفسها ، فضلا عن غير ها ـ في النوم الذي لا نرى فيه شيئا من الرؤيا ـ مع أنّ الروح لم تعدم ، فيظهر أنّ نور العلم حقيقة وراء الأرواح والأبدان.