كيف وقد قال به جماعة من علماء الإماميّة ونحاريرهم (١). انتهى.
أقول : الكلام المذكور في غاية المتانة ، إلاّ أنّ لنا أدلّة على عدم التجرّد :
الأوّل : أنّنا نجد ذاتنا وإنّيّتنا أنّها غير خارجة عن المكان الذي فيه أبداننا ، وأنّنا في هذا المكان ولسنا في مكان آخر ، والمكانيّ ليس بمجرّد.
الثاني : نجد تحرّكنا في المكان ومجيئنا وذهابنا ، والتحرّك في المكان من لوازم المادّة.
الثالث : أنّا نجد ذاتنا محدودة بحسب الكمّ ، لوجداننا إيّاها أنّها أصغر ممّن لا يحويه مكان كذا ، والمجرد آب عن المعروضيّة لعرض الكمّ.
الرابع : أنّا نجد ذاتنا محلاّ لمثل الحزن والسرور ، والخوف والأمن ، والرغبة والرهبة وغير ذلك من الأحداث والأعراض ، والمجرّد آب عن جميع ذلك.
الخامس : أنّ ذاتنا يعرض عليها الكمال والنقص ، فتارة تكمل بالعلم ، وأخرى تنقص بالجهل ، والتغيّر بذلك لا يلائم التجرّد.
السادس : أنّ الإنسان يجد أحيانا نفسه وإنّيته خارجة عن البدن ، تجيء وتذهب وتعرض عليه العوارض ، وقد حصل ذلك لبعض الأعاظم اختيارا ، ولبعض قهرا ، ويحصل ذلك لكل أحد عند منام البدن ، وكونه ملقى بلا شعور ولا حركة ، وروحه ونفسه ترى حينئذ من أنواع الرؤيا ويعرض عليها ما يعرض من السرور والحزن ، والأمن والخوف ، وأنواع اللذّات وأضدادها.
السابع : الأدلّة النقليّة من الآيات والروايات المباركة ، كما ستأتي إن شاء الله تعالى.
إلى هنا نختم الكلام في بيان إجماليّ عن حقيقة العلم وحجّيته ، يشهد به الوجدان ، وتؤيّده بل تشهد به الكلمات الواصلة من مجاري الوحي. وكذا في حقيقة العقل. وفيهما مباحث جليلة لا مجال فعلا للورود فيها ، وكذا في النفس.
__________________
(١) البحار ٦١ : ١٠٤.