تنبيه
توضيح آخر للأمر بين الأمرين ، ولمعنى المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء في الأفعال الاختيارية ، وإن كان لا يخلو من تكرار لما مر.
فأقول : المشيئة المعبر عنها بـ « خواست » أو « خواستن » المتعلقة بفعل شيء أو تركه ، وكذا الإرادة تطلق على معنيين :
أحدهما : ما يعبّر عنه بالفارسية : « خواستن از غير أنجام دادن كارى را ، يا انجام ندادن وترك آن را » ومنه الحكم المولوي بفعل شيء أو تركه ، سواء كان بصيغة الأمر أو النهي أو بغير هما من الألفاظ الدالّة على البعث أو الزجر. وظاهر أنّه لا يخلوا هذا الحكم الصادر عن الحاكم العالم الملتفت من التقدير في ذات الحكم من جهة الإيجاب والندب ، وفي متعلقه وموضوعه من الأجزاء والشروط ، ولا يخلو أيضا من العزيمة عليه المعبّر عنها بالقضاء ، فإنّه إن لم يعزم عليه لم يقض به.
ثانيهما : همّ الفاعل وعزمه على فعل شيء أو تركه ، الفاني فيما يصدر عنه الفعل أو الترك في زمان صدورهما ، فإنّ الإنسان يجد من نفسه أن كل فعل أو ترك اختياري يتحقق منه مسبوق بهذا الهمّ المعبّر عنه بالمشيئة ، ويجد أيضا كونها ملازمة للتقدير والعزيمة ، ويجد أيضا أنّ سبقها وتقدّمها على العمل لشدة نفوذها وسرعتها رتبيّ لا زمانيّ. ويصحّ التعبير عنها بالمشيئة والتقدير والقضاء التكويني ، وتسمية القسم الأول بالتشريعي.
ثم إنّه قد يهتمّ الإنسان تكوينا بفعل شيء أو تركه بعد حين وزمان ، وهذا أيضا لا يخلو من التقدير والعزم عليه قبل بلوغ ذلك الزمان. وربما يعلم همّه ذلك غيره ويعلم زمانه وأجله وعزمه ، وربما يكتبه في لوح ونحوه ، ويترتب غالبا على مشيئته وتقديره وقضائه الشروع في إيجاد مقدمات ذلك الفعل أو الترك.
وقد مرّ أنّ مقتضى المدارك القطعيّة أنّ لله تعالى قبل إيجاد المخلوقات المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء بالنسبة إليها ، وأنّه كتبها في كتاب وأثبتها في أوعية لا نعرف حقيقتها ولا كيفية الإثبات فيها. نعم الثابت عقلا ونقلا أنّه تعالى لا يتغير بصدور تلك