والقاضي والمقدّر والمدبّر (١) ، ونحو ذلك.
وإنّما الإشكال والغموض في إدراك المعنى الظاهر من الرواية ، وهو كون متعلق نفي الجبر والتفويض كليهما هو خصوص الأفعال الاختيارية ، لا كون متعلق أحدهما شيئا ، ومتعلق الآخر شيئا آخر. ولعلّ وجه الاكتفاء في بعض الروايات بالتشريعي ضعف السائل عن إدراك المطلب ، أو كونه مناسبا لفهم العموم ، كما في رسالة أبي الحسن الثالث عليهالسلام (٢) ، فإنّ الذي يناسبه فهم الجميع هو نفي التفويض من جهة التشريع.
نفي الجبر والتفويض ، وإثبات الأمر بين الأمرين
هنا روايات عن الائمة المعصومين عليهمالسلام يظهر منها المراد من الأمر بين الأمرين (٣).
وحاصل ما يظهر من أكثر أخبار الباب ويوافقه العقل السليم ويجده الإنسان من نفسه : نفي الجبر في الأفعال ، بمعنى نفي كونها من فعل الله تعالى أجراها بيد العبد ، وحصولها بقدرة الله من غير مدخلية لقدرة العبد وإرادته ، ونفي التفويض أيضا فيها ، بمعنى نفي القول بأن الله خلق العباد وأقدرهم على أعمالهم ، وفوّض إليهم اختيارها على وفق مشيئتهم من غير أن يكون لله تعالى فيها صنع ، وأن الواقع الحقّ أمر بين الأمرين ، وهو أنّ لهدايته تعالى ولتوفيقاته ـ ومنها الدواعي ـ مدخلا في أفعالهم وطاعاتهم من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، كما أنّ للخذلان وترك النصرة وإيكالها إلى أنفسهم مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات ، من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، ومن دون أن تصحّ نسبتها إلى الله تعالى.
وذلك أنّ الإنسان يجد بعقله أنّ المولى إذا أمر عبده بشيء يقدر عليه ، وأعلمه بذلك ، ووعده على فعله شيئا من الثواب ، وأوعده على تركه شيئا من العقاب ، واكتفى في تكليفه إيّاه بهذا المقدار من التكليف ، والوعد والوعيد ، لم يكن ملوما عقلا وعقلاء لو
__________________
(١) البحار ٥ : ٥٤.
(٢) البحار ٥ : ٦٨.
(٣) راجع التوحيد : ٣٦١ ، البحار ٥ : ١٦ ، ١٧ ، ٤٠.