وكيفيّة السؤال والجواب في عالم الذرّ والأرواح ، وكذا كيفيّة تأثير النار في الطبائع غير معلومة لنا ، لكن أصول المطلب غير قابلة للإنكار ، ودلالة الروايات على سبق خلقة الأرواح زمانا ووقوع التكليف من الله تعالى وإطاعة بعض المكلّفين وعصيان آخرين في الأزمنة السالفة واضحة جدا ، لا سيّما لمن لاحظ مجموع ما ورد عنهم صلوات الله عليهم في مبدأ الخلقة وكيفيّتها.
التنبيه الثامن : موقف آدم عليهالسلام في عالم الذرّ
يمكن القول بمقتضى جمع الروايات : إنّ الله تعالى بعد ما أخذ العهد والميثاق من الأرواح التي أحياها بنور العلم ، وبعد ما أخذ العهد أيضا من الأبدان الذريّة ذوات الأرواح الواجدة لنور العلم ، خلق بعد ذلك جسد آدم عليهالسلام من الطين على ما وصف في الروايات (١). ولا يبعد كون هذا الجسد مشتملا على البدن الذرّيّ المخلوق قبل ذلك ـ كما أنّ أبداننا كذلك ـ فجعل الطين الذي هو مجموع الأبدان الذرّيّة في ظهر آدم عند خلقه بما له من الكبر ، على ما في بعض الروايات (٢). ثمّ أحياه بنفخ الروح المخلوقة من قبل ، الواجدة لنور الحياة والعلم ، ثمّ أمر الملائكة بالسجود له. وبعد ما أكل من الشجرة وأخرج من الجنة وهبط إلى الأرض ، أخرج الله تعالى ذرّيّته من ظهره بواد بين مكّة وطائف يسمّى بالرّوحاء ، وأخذ منهم العهد والميثاق ، كما أخذه قبل ذلك. وهو الذرّ المتأخّر بالنسبة إلى الذرّ المذكور في رواية معمّر المتقدّمة (٣).
ففي البحار عن تفسير العيّاشيّ عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض (٤) في ظلل من الملائكة على آدم ، وهو بواد يقال له الروحاء ، وهو واد بين الطائف ومكّة ، قال : فمسح على ظهر آدم ، ثمّ صرخ بذرّيّته وهم ذرّ ، قال : فخرجوا كما يخرج النحل من كورها ، فاجتمعوا على شفير الوادي ، ... فقال الله :
__________________
(١) البحار ١١ : ٩٧.
(٢) البحار ١١ : ٩٧.
(٣) في آخر التنبيه السادس.
(٤) أي نزل وحيه وأمره ، راجع ص ١١٦ ما قاله العلاّمة المجلسيّ.