« يمكن حمل كلامهما على من صاح لا بالمجني عليه بل اتفق كونه هناك وإن عبرا بالصيحة بهما » (١) قلت : لم تحك لنا عبارة المهذب ، وأما عبارة المبسوط (٢) ، فقد قيل إنه ذكر أولا الصبي والمعتوه والغافل ولم يتعرض للمريض ، ثم قال في آخر كلامه : « ثم ينظر فإن كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ماله عندنا ، وعندهم على العاقلة بلا خلاف وإن كان إنما صاح خطأ فالدية مخففة على العاقلة بلا خلاف » وهو صريح في الموافقة مما ذكرنا فلا خلاف ولا إشكال.
هذا كله فيما إذا مات بفعل المخيف ( أما لو فر فألقى نفسه في بئر أو ) من ( أعلى سقف ) وكان بصيرا ( قال الشيخ : لا ضمان لأنه ألجأه إلى الهرب ، لا إلى الوقوع ) في البئر الذي اختاره ( فهو المباشر لإهلاك نفسه ) وحينئذ إن كان المخيف مسببا لذلك لكنه غير ملجئ إليه ( فيسقط حكم التسبيب ) كالحافر والدافع ( وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله ) في ترجيح المباشرة على التسبيب غير الملجئ ، وقواه الشهيد ، قال : « لأن الهارب إما مختار أو مكره ، فإن كان مختارا فلا ضمان ، وإن كان مكرها فغايته أن يكون مثل مسألة ـ أقتل نفسك وإلا قتلتك ، فقتل نفسه ـ فإنه لا ضمان ، إذ لا معنى للخلاص عن الهلاك بالهلاك » (٣) ولأن المباشر فيه أقوى من السبب ، ورد « بأن المكره هنا على تقديره من غير مباشر للقتل ، فاعتبر السبب ، بخلاف القاتل نفسه ، فإنه يترجح فيه المباشر على السبب فافترقا » (٤) وفيه أن المفروض هنا إلقاء نفسه بالبئر فهو حينئذ كالمباشر لقتل نفسه.
__________________
(١) قوله كلامهما أى كلام المبسوط والمهذب ، وقوله بهما أي الصبي والمعتوه ظاهرا ، فراجع كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٣.
(٢) راجع المبسوط ج ٧ ص ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٣) غاية المراد للشهيد الأول كتاب الديات ص ٣٤ من مخطوط عندنا.
(٤) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٨١.