وهذه الدعوى على تقدير صحتها تقتضي الحكم ببطلان الوضوء فيما إذا قصد به رفع الكراهة مثلاً ، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به حينئذٍ ، واختلافهما بحسب الحقيقة ، ومعه لا بدّ من الحكم بالبطلان.
ولكن هذه الدعوى مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأن الوضوء ليس إلاّ مسحتان وغسلتان مع الإتيان بهما بنية صالحة ، وهما متحققان في الوضوء الصادر من المحدث بالحدث الأكبر أيضاً ، وأما ارتفاع الحدث به وعدمه فقد عرفت أنه حكم شرعي طارئ عليه ، لا أنه من مقومات الوضوء ، ومعه كيف يقاس ذلك بصلاة الميت التي لا يعتبر فيها شيء من الركوع والسجود وغيرهما مما يعتبر في الصلاة ، وقد استفدنا من الروايات أنهما من مقومات الصلاة.
لا يقال : إنّ مجرّد الشك في أن الوضوء من المحدث بالأكبر متّحد مع الوضوء الصادر من غيره حقيقة أو أنهما طبيعتان متعددتان ، كاف في الحكم بالبطلان وعدم جواز الاقتصار عليه.
لأنّه يقال : إنّ مجرّد الشك في ذلك وإن كان يكفي في ذلك ، إلاّ أنّ إطلاق أدلّته ، أعني ما دلّ على أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان مع النية الصالحة لا تبقي مجالاً للشك في أنهما متحدتان بحسب الطبيعة أو متغايرتان.
وعلى الجملة : إن الوضوء حقيقة واحدة سواء أصدر من المحدث بالأكبر أم من المحدث بالأصغر ، فإذا كانت الطبيعة متحدة تنطبق المأمور به على المأتي به ، وبذلك يحكم بصحة الوضوء وارتفاع الحدث بكل من الوضوء المتجدِّد والوضوء المأتي به بنيّة رفع الكراهة مثلاً فيما إذا ظهر أنه محدث بالحدث الأصغر واقعاً ، وإن كان الحكم بالارتفاع في الوضوء التجديدي أظهر من ارتفاعه في الوضوء المأتي به بنيّة رفع الكراهة.