ومنها : إطلاق الأخبار الدالّة على أن صلاة الميِّت خمس تكبيرات وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا صلّى بخمس علم أن الميِّت مؤمن وإذا صلّى بأربع علم أنه منافق ، حيث إنها مطلقة لم تقيد التكبيرات فيها بالدعاء ، فاذا شككنا في وجوبه فندفعه بالإطلاق.
ومنها : أن الأخبار الآمرة بالدعاء مختلفة ، ولا يوجد اثنان منها ضعيفين أو معتبرين متحدين في المدلول ، فلو كان الدعاء واجباً كالتكبير لم تختلف الأخبار في المفاد وهذا آية الاستحباب.
ويرد عليها : أما أصالة البراءة فإن المورد وإن كان في نفسه مجرى لها ، لأنه من الشك في التكليف إلاّ أنها متوقفة على الشك ولا شك عندنا في وجوب الدعاء للأخبار الدالّة عليه كما سيتضح.
وأمّا الإطلاق ففيه : أن الأخبار الواردة في المقام إنما هي ناظرة إلى بيان أن الواجب من التكبيرات هو خمس في قبال العامة التي تقول بأن الواجب منها أربع تكبيرات وليس لها نظر إلى أنها هل يعتبر معها دعاء أم لا يعتبر ، فلا إطلاق في الأخبار حتى يتمسّك به. هذا على أنّا لو سلمنا إطلاقها لم يمكن الاستدلال بها كالسابق البراءة لأنه إنما يمكن التمسك به عند الشك ولا شك لنا في طروء المقيد لها ، للأخبار الدالّة على التقييد ، ومع المقيد لا مجال للتمسك بالإطلاق.
وأمّا اختلاف الروايات فهو وإن كان كذلك إلاّ أنه إنما يدل على أن الدعاء الوارد في هذه الرواية ليس واجباً معيناً وكذا الدعاء الوارد في الرواية الأُخرى للمعارضة ، وأما أنه ليس بواجب أصلاً فلا.
بل لا بدّ من الالتزام بوجوب الدعاء مخيراً ، وأن الواجب هو الجامع المنطبق على كل واحد من الأدعية الواردة ، وذلك لما ذكرناه من أن للأمر ظهورين : ظهور في الوجوب وظهور في التعيين ، فاذا جاءنا دليلان على وجوب شيئين وعلمنا أن كليهما غير واجب وإنما الواجب أحدهما فلا مناص من رفع اليد عن ظهور الدليلين في التعيين والالتزام بوجوب أحدهما مخيراً.