الدّفن دفناً مأموراً به ، ومقتضى حق المالك إخراجه من أرضه حينئذ.
وهل يجب على المالك قبول القيمة إذا بذلت له؟ الصحيح عدم الوجوب ، لأنه لا يجب عليه إيجاد الموضوع وهو الدّفن المأمور به بأن يرضى بدفنه في أرضه ليكون الدّفن مأموراً به ويحرم نبشه لكونه هتكاً حينئذ ، ومع عدم كون الدّفن مأموراً به يجوز للمالك أن لا يرضى ببقاء الميِّت في أرضه ولا يقبل الثمن ، لأنه مقتضى كون الناس مسلّطين على أموالهم ، هذا إذا كان هناك موضع ثانٍ صالح لدفن الميِّت فيه.
وأمّا إذا انحصرت الأرض المدفون فيها بدون رضا المالك به فلا يجوز نبشه وإخراجه منها لغير المالك ، لأنه إنما كان جائزاً في الصورة الأُولى مقدمة للدفن الواجب ، ومع انحصار الأرض بتلك الأرض وعدم وجود مدفن آخر قابل له لا يجب الدّفن لعدم كونه مقدوراً ، ومع عدم وجوبه لا موجب للنبش فالنبش على غير المالك محرم.
وأما المالك فهو من موارد تزاحم حق الميِّت وحق المالك. أما المالك فلأجل كونه مسلطاً على ماله ولا يجوز التصرف فيه إلاّ بإذنه ، وأما الميِّت فلأجل وجوب دفنه وعدم رضا الشارع ببقائه من غير دفن لتنهتك حرمته وتأكله السباع وتخرج
رائحته ونتنه ، فلو أُخرج من قبره بقي بلا دفن لانحصار الأرض بتلك الأرض.
والصحيح عدم جواز النبش للمالك أيضاً ، لما أشرنا إليه من أن الشارع لا يرضى ببقاء الميِّت بلا دفن لتأكله السباع أو ينتن وتهتك حرمته. ويكفي في ذلك إطلاقات أدلة الدّفن ، لأنه واجب على المكلفين الذين منهم المالك فلا يجوز له النبش لأنه خلاف الدّفن الواجب عليه.
ولا يقاس هذا بالكفن الذي قلنا بعدم وجوب بذله على المؤمنين إذا لم يكن للميت مال يشترى به الكفن ، إذ الواجب على المكلفين إنما هو الكفْن لا الكفَن ، فاذا لم يوجد كفَن يدفن عارياً ، فان الدّفن عارياً لا يوجب الهتك عليه إذ لا يبقى الكفَن إلاّ أياماً معدودة ، وهذا بخلاف الدّفن في مفروض الكلام ، فإنه واجب وموجب لبذل الأرض لانحصار المدفن بها ، فإنه لو أخرجه من أرضه لبقي الميِّت بلا دفن وأكلته السباع وانتشرت رائحته ونتنه وأوجب ذلك هتكه وهو حرام.