وأمّا حديث « لا ضرر » فهو غير جارٍ في المقام حتى يترتب عليه جواز إخراج الميِّت من أرضه ، كما لو أدخله الجائر في ملكه من دون اختياره حياً ، فان المالك يجوز له إخراجه من أرضه حينئذ فليكن الأمر بعد موته كذلك. والوجه في عدم جريانه :
أوّلاً : أن ذلك لا يوجب ضرراً على المالك إما لبذل ثمن الأرض له إذا كان هناك باذل له ، وإما لأنه لا يوجب نقصاً في أرضه ، إذ لا منافاة بين أن يدفن الميِّت في أرضه وبين جواز الانتفاع بأرضه كما كان ينتفع بها قبل الدّفن.
وثانياً : أن قاعدة « لا ضرر » إنما شرعت للامتنان ، فاذا لزم من جريانها في مورد خلاف الامتنان على غيره فلا مقتضي لجريانها ، والأمر في المقام كذلك ، لأنها لو جرت في حق المالك لتضرره ببقاء الميِّت في أرضه لأوجب ذلك خلاف الامتنان على الميِّت لاستلزامه بقاء الميِّت بلا دفن لتأكله السباع وتهتك حرمته وهو أيضاً من أفراد المسلمين. وعلى هذا لا يجوز للمالك إخراج الميِّت من أرضه ، هذا بحسب البقاء.
ومنه يظهر الحال في الحدوث كما لو لم يكن من الابتداء أرض صالحة للدفن سوى تلك الأرض ولو بإجبار الظالم على دفنه فيها وعدم ترخيصه الدّفن في غيرها ، فإنه يجب أن يدفن ابتداءً وحدوثاً في تلك الأرض لعين ما تقدم.
ثم إن ما ذكرناه من جواز النبش إذا دفن في أرض الغير من دون رضاه لا يختص بما إذا كانت الأرض ملكاً للغير ، بل يأتي فيما إذا كانت منفعتها ملكاً للغير كما لو كانت الأرض مستأجرة لأحد ولم يرض المستأجر بدفن الميِّت فيها ، فان الدّفن فيها تصرف في المنفعة من دون رضا مالكها ، هذا كله فيما إذا كان الدّفن محرماً حدوثاً.
وأما إذا كان الدّفن محرماً بقاء إلاّ أنه بحسب الحدوث كان جائزاً فهل يجوز النبش حينئذ أو لا يجوز؟ فيه كلام ، وتوضيح ذلك أن في المسألة صوراً :
الصور المتصوّرة في المسألة
الأُولى : ما إذا دفن الميِّت في أرض الغير غفلة واشتباهاً أو نسياناً أو جهلاً بالغصبية وبعد ذلك التفت إلى أنها ملك الغير وهو غير راض بالدّفن فيها. مال صاحب الجواهر قدسسره في هذه الصورة إلى أن حكم البقاء حكم الحدوث