وحيث إنه كان سائغاً فهو سائغ بقاء فلا يجوز نبشه حينئذ ، ولكنه احتاط بدفع القيمة للمالك وإرضائه بالدّفن (١) وكأنه للجمع بين الحقين.
ولكن الصحيح هو جواز النبش حينئذ ، لأن الدّفن كان بحسب الواقع محرماً لأنه في ملك الغير من غير رضاه ، والحرمة الواقعية لا تنقلب عما هي عليه بالجهل والاشتباه ، غاية الأمر أن لا يعاقب الدافن لأنه معذور بسبب الجهل أو الغفلة ، وهذا أمر آخر أجنبي عن بقاء الميِّت في أرض الغير ، وحيث إن الدّفن لم يكن مأموراً به واقعاً فلا مانع من النبش مقدمة للدفن الواجب وهو الدّفن في الأرض المباحة ، هذا كلّه في صورة الجهل بالغصبية.
وأمّا إذا نسي الغصبية فدفن الميِّت فيها فلا يأتي فيه ما ذكرناه عند الجهل بالغصبية ، لأن الجهل لا يرفع الحرمة الواقعية كما مر ، والنسيان موجب لسقوط الحرمة واقعاً وكون الدّفن مباحاً واقعاً ، ومعه يقع مصداقاً للمأمور به فيسقط به الأمر بالدّفن ، فلا يبقى مقتض ومسوغ لإباحة النبش ، لأنّا إنما أجزنا النبش مقدّمة للدفن المأمور به فيما إذا كان غير مأمور به ، وفي المقام حيث كان الدّفن مصداقاً للمأمور به فلا مرخص في النبش بوجه.
نعم هذا إذا كان ناسي الغصبية غير الغاصب للأرض ، فلو كان الغاصب هو الناسي فنسيانه غير رافع للحرمة الواقعية ، لأنه من الامتناع بالاختيار ، والحرمة حينئذ هي الحرمة السابقة على النسيان ، حيث حرم عليه جميع التصرفات فيما غصبه إلى آخر تصرفاته ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وهذا بخلاف ما إذا كان الناسي شخصاً غير الغاصب.
وكيف كان ، فرق واضح بين الجهل والنسيان على ما فصلناه عند التكلّم عن التوضؤ من الماء المغصوب ، حيث قلنا إنه محرم واقعاً عند الجهل بالغصبية والوضوء باطل لا محالة ، وأمّا عند النسيان فهو أمر محلّل واقعاً ، لسقوط الحرمة عنه واقعاً وكونه مصداقاً للمأمور به وقابلاً للتقرّب به ، فان مجرّد المبغوضية الواقعية لا تمنع من التقرّب
__________________
(١) لاحظ الجواهر ٤ : ٣٥٥.