والصحيح في هذه الصورة عدم جواز النبش لا للمالك ولا لغيره ، ذلك لأنّا إنما جوزنا النبش لعدم كون الدّفن مأموراً به فينبش مقدمة للدفن الواجب ، وفي مفروضنا حيث إن الدّفن سائغ ومصداق للمأمور به وقد سقط به الأمر بالدّفن فلا مقتضي ولا مسوغ لنبش القبر حينئذ.
ودعوى أن ذلك موجب لتضرّر المالك ، مندفعة بأنه هو الذي أقدم على هذا الضرر حيث آجر أرضه للدفن خاصّة أو لما يعمه.
وقد يقال في هذه الصورة إن إجارة الأرض للدفن أو لما يعمه يقتضي بحسب الارتكاز جواز الدّفن فيها بقاء أيضاً ، وهو من الشرط في ضمن العقد ارتكازاً. وهذه الدعوى ليست بعيدة فيما إذا علم المؤجر والمستأجر بما ذكرناه من عدم جواز النبش لا للمالك ولا لغيره حينئذ وكانا ملتفتين إليه ، وأما إذا كانا جاهلين أو غافلين عنه فلا إذ لا اشتراط حينئذ بوجه ، والشرط الارتكازي الذي يثبت مطلقاً ولو مع غفلة المتبايعين إنما هو الشرط الذي يكون ثابتاً عند العقلاء كما في خيار الغبن ، فإنه ثابت للمتعاقدين ولو مع غفلتهما ، وفي أمثال المقام حيث ثبت الشرط شرعاً لا عند العقلاء فلا يثبت إلاّ مع الالتفات.
الصورة الثالثة : ما إذا جاز الدّفن في أرض الغير بإذن من المالك إلاّ أنه ندم بعد الدّفن وأظهر عدم رضاه بحسب البقاء.
ذكر المحقق الهمداني قدسسره أن النبش محرم حينئذ لأنه منافٍ لحق الميِّت حيث ثبت له حق الدّفن في تلك الأرض بإجازة المالك فإخراجه منها بعد ذلك ينافي حق الميِّت ، وذكر أن من هذا القبيل ما إذا أجاز له في غرس شجر له في أرضه أو لأن يصلِّي في داره وبعد الغرس والدخول في الصلاة أظهر عدم رضاه ببقاء شجرة أو صلاته فيها ، فإنه لا يجب القلع وقطع الصلاة حينئذ لثبوت الحق لهما في الغرس والصلاة بإجازة المالك ، فاظهاره عدم الرضا بذلك ينافي ذلك الحق ، وذكر قدسسره أن عدم الجواز في المقام أظهر من المثالين المذكورين في كلامه (١).
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٤٢٨ السطر ٣٣.