للميسور من المعسور ولو بناءً على تمامية القاعدة ، فالمتعيّن صرفه إمّا في الغسل بالسدر الممكن وإمّا في الغسل بالقراح.
ولكن الصحيح صرفه في خصوص الغسل بالسدر ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام لاشتمالها على كلمة « ثمّ » دلّتنا على اعتبار الترتيب في الأغسال ، فيعتبر في صحّة الغسل بالكافور أو القراح أن يتأخّرا عن الغسل بالسدر بحيث لو أتى بهما قبله عصياناً أو نسياناً وقعا باطلين ، وإن كان الغسل بالسدر صحيحاً ، نظير اعتبار الترتيب في العصر بالإضافة إلى الظهر ، وحيث إنّ السدر موجود فيجب صرف الماء فيه بمقتضى الأخبار ، وبعده يكون المكلّف فاقداً للماء فيجوز له التيمم بدلاً عن الكافور والقراح.
وبعبارة اخرى : المسوغ للتيمم أحد أمرين : إمّا الفقدان الحقيقي الوجداني ، أو الفقدان التعبّدي كما إذا كان متمكّناً من الماء عقلاً إلاّ أنّ الشارع منعه عن التصرف فيه لأنه مغصوب أو موجب لهلاكته ، فانّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وليس شيء منهما متحققاً بالإضافة إلى الغسل بالسدر ، أمّا الوجدان فظاهر ، لأنّه متمكّن منه على الفرض لوجود الماء والسدر ، وأمّا التعبّد فلعدم دلالة الدليل على وجوب صرف الماء في الثالث ، إذ المشهور إنّما يقول بالتخيير لا بتعين صرفه في الأخير حتّى يحرم استعماله في الأوّل ، فهو متمكّن منه تعبّداً ووجداناً فلا يسوغ له التيمم بدلاً عن الغسل بماء السدر ، بل لا بدّ من أن يأتي به بنفسه ، وبعده يصدق عليه أنّه فاقد الماء حقيقة فيجوز له التيمم بدلاً عن الغسل بالكافور والقراح.
وهذا نظير المستحاضة القليلة الّتي يجب أن تتوضأ لكل صلاة ، فإنّها إذا لم تتمكّن من الوضوء إلاّ لإحدى الصلاتين كالظهر والعصر لم يجز لها التيمم لصلاة الظهر وإبقاء الماء لصلاة العصر ، لما تقدم من أنّ المسوّغ للتيمم إمّا هو الفقدان الحقيقي أو التعبّدي وليس في المقام شيء منهما ، فيتعيّن صرفه في الوضوء للظهر وبعد ذلك يجوز لها أن تتيمم للعصر ، لأنّها فاقدة للماء حقيقة.