ومن الغريب ما صدر عن المحقق القمي قدسسره (١) في المقام حيث إنّه أجاب عن هذا الدليل بأ نّه مطلقاً ممنوع ، لأنّ في ترك الواجب أيضاً مفسدة ، فاذن لا يدور الأمر بين دفع المفسدة وجلب المنفعة ، بل يدور الأمر بين دفع هذه المفسدة وتلك.
ووجه الغرابة واضح ، ضرورة أنّه لا مفسدة في ترك الواجب كما أنّه لا مصلحة في ترك الحرام ، فالمصلحة في فعل الواجب من دون أن تكون في تركه مفسدة ، كما أنّ المفسدة في فعل الحرام من دون أن تكون في تركه مصلحة وإلاّ لكان اللازم أن ينحل كل حكم إلى حكمين أحدهما متعلق بالفعل والآخر متعلق بالترك ، ولازم هذا أن يستحق عقابين عند ترك الواجب أو فعل الحرام ، أحدهما على ترك الواجب والآخر على فعل الحرام ، لفرض أنّ ترك الواجب محرّم ولا نظن أن يلتزم بذلك أحد حتى هو قدسسره كما هو واضح.
ومنها : الاستقراء ، بدعوى أنّا إذا تتبعنا موارد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في المسائل الشرعية واستقرأناها ، نجد أنّ الشارع قدّم جانب الحرمة على جانب الوجوب ، فمن جملة تلك الموارد حكم الشارع بترك العبادة أيام الاستظهار ، فانّ أمر المرأة في هذه الأيام يدور بين وجوب الصلاة عليها وحرمتها ، ولكنّ الشارع غلّب جانب الحرمة على جانب الوجوب وأمر بترك الصلاة فيها. ومنها : الوضوء أو الغسل بماءين مشتبهين ، فانّ الأمر يدور حينئذ بين حرمة الوضوء أو الغسل منهما ووجوبه ، ولكنّ الشارع قدم جانب الحرمة على جانب الوجوب وأمر باهراق الماءين والتيمم للصلاة. ومنها : غير ذلك. ومن مجموع ذلك نستكشف أن تقديم جانب الحرمة أمر مطرد في كل مورد دار
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ١٥٣.