والملاكات النفس الأمرية ليكونوا في المقام عالمين بعدم وجود ملاك لأحدهما في مورد الاجتماع ، ولأجل ذلك عاملوا معهما معاملة المتعارضين بالعموم من وجه ، ومن الضروري أنّه ليس لهم هذا العلم فانّه يختص بالله تعالى وبالراسخين في العلم. على أنّه لو كان لهم هذا العلم لكانوا عالمين بعدم وجود ملاك لأحدهما المعيّن ، ومعه لا معنى لأن يعامل معهما معاملة التعارض ، ضرورة أنّه عندئذ يكون ملاك الآخر هو المؤثر ، وكيف كان فصدور مثل هذا الكلام من مثله قدسسره يعدّ من الغرائب جداً.
وأمّا السبب الثاني : فلأ نّه يبتني على أن يكون الفقهاء جميعاً من القائلين بالامتناع في المسألة ، وهذا مقطوع البطلان ، كما تقدم الكلام في ذلك بشكل واضح.
وعلى ضوء هذا البيان قد تبيّن أنّ هذا المثال وما شاكله خارج عن مسألة الاجتماع رأساً ، لا يتوهم ولن يتوهم جواز اجتماع الأمر والنهي فيه ، بداهة أنّه يستحيل أن يكون في المجمع في مورد الاجتماع وهو إكرام العالم الفاسق جهة وجوب وحرمة معاً ومحبوبية ومبغوضية كذلك ، فإذن لا محالة يدخل في كبرى باب التعارض كما صنع الفقهاء ذلك فيه وفي أمثاله ، وذلك لاستحالة جعل كلا الحكمين معاً للمجمع في مادة الاجتماع بحسب مقام الواقع والثبوت ، ونعلم بكذب أحدهما وعدم مطابقته للواقع ، بداهة أنّه كيف يعقل أن يكون إكرام زيد العالم الفاسق مثلاً واجباً ومحرّماً معاً. وعليه فلا محالة تقع المعارضة بين مدلولي دليليهما في مقام الاثبات والدلالة ، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجحات بابها ، وهذا هو الملاك في باب التعارض ، ومن هنا قد ذكرنا سابقاً أنّ التعارض بين الحكمين لا يتوقف على وجود ملاك لأحدهما دون الآخر ، بل الملاك فيه ما ذكرناه من عدم إمكان جعل كلا الحكمين معاً في الواقع ومقام الثبوت ، ولذا