وغير خفي أنّ القول بكون الأسباب الشرعية معرّفات خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً ، والسبب فيه : أنّه إن اريد بكونها معرّفات أنّها غير دخيلة في الأحكام الشرعية كدخل العلة في المعلول ، فهو وإن كان متيناً جداً ، لما ذكرناه في بحث الشرط المتأخر من أنّه لا دخل للُامور التكوينية في الأحكام الشرعية أصلاً ، ولا تكون مؤثرةً فيها كتأثير العلة في المعلول وإلاّ لكانت تلك الأحكام معاصرة لتلك الامور التكوينية ومسانخة لها بقانون التناسب والسنخية ، والحال أنّ الأمر ليس كذلك ، بداهة أنّ وجوب صلاتي الظهرين مثلاً ليس معلولاً لزوال الشمس وإلاّ لكان معاصراً له من ناحية وأمراً تكوينياً من ناحية اخرى بقانون التناسب. وكذا الحال في وجوب صلاتي المغرب والعشاء فانّه ليس معلولاً لغروب الشمس ، ووجوب صلاة الفجر فانّه ليس معلولاً لطلوع الفجر ، ووجوب الحج فانّه ليس معلولاً للاستطاعة ونحوها ، ووجوب الصوم فانّه ليس معلولاً لدخول شهر رمضان ونحوه من شرائطه.
وعلى الجملة : فالأحكام الشرعية بأجمعها امور اعتبارية فرفعها ووضعها بيد الشارع وفعل اختياري له ، ولا يؤثر فيها شيء من الامور الطبيعية. نعم ، الملاكات الموجودة في متعلقاتها وإن كانت اموراً تكوينية إلاّ أنّ دخلها في الأحكام الشرعية ليس كدخل علة طبيعية في معلولها ، بل هي داعية لجعل الشارع واعتباره إيّاها. أو فقل إنّها تدعو الشارع لجعلها واعتبارها كبقية الدواعي للأفعال الاختيارية ، لا أنّها تؤثر في نفسها. فان اريد من كون الأسباب الشرعية معرّفات ذلك فهو وإن كان متيناً من هذه الناحية إلاّ أنّه يرد عليه من ناحية اخرى ، وهي أنّه لا ملازمة بين عدم دخلها في الأحكام الشرعية وكونها معرّفات ، بل هنا أمر ثالث وهو كونها موضوعات لها ، يعني أنّ الشارع جعل الأحكام على تلك الموضوعات في مرحلة الاعتبار والانشاء