أمّا النقطة الاولى : فهي في غاية الصحة والمتانة حتى بناءً على نظريتنا من أنّ أداة العموم بنفسها متكفلة لافادة العموم وعدم دخل خصوصية مّا في حكم المولى وغرضه.
بيان ذلك : أنّ الدلالات على ثلاثة أقسام :
الأوّل : الدلالة التصورية ـ الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ ـ وهي لا تتوقف على شيء ما عدا العلم بالوضع فهي تابعة له ، وليس لعدم القرينة دخل فيها ، فالعالم بوضع لفظٍ خاص لمعنىً مخصوص ينتقل إليه من سماعه ولو افترضنا أنّ المتكلم نصب قرينةً على عدم إرادته ، بل ولو افترضنا صدوره عن لافظ بلا شعور واختيار أو عن شيء آخر كاصطكاك حجر بحجر مثلاً ، وقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ هذه الدلالة غير مستندة إلى الوضع بل هي من جهة الانس الحاصل من كثرة استعمال اللفظ في معناه أو غيره مما يوجب هذه الدلالة.
الثاني : الدلالة التفهيمية ويعبّر عنها بالدلالة التصديقية أيضاً من جهة تصديق المخاطب المتكلم بأ نّه أراد تفهيم المعنى للغير ، وهي عبارة عن ظهور اللفظ في كون المتكلم به قاصداً لتفهيم معناه ، وهذه الدلالة تتوقف زائداً على العلم بالوضع على إحراز أنّ المتكلم في مقام التفهيم وأ نّه لم ينصب قرينةً متصلةً في الكلام على الخلاف ولا ما يصلح للقرينية ، وإلاّ فلا دلالة له على الارادة التفهيمية ، وقد ذكرنا في أوّل الاصول بشكل موسّع أنّ هذه الدلالة مستندة إلى الوضع. أمّا على ضوء نظريتنا في حقيقة الوضع حيث إنّه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني فالاستناد إليه واضح ، ضرورة أنّه لا معنى للتعهد والالتزام
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ١١٥.