وأمّا النقطة الرابعة : فقد ظهر خطؤها مما ذكرناه ، فانّ مجرد العلم الاجمالي بكون مقدار الدين مضبوطاً في الدفتر لا يوجب الاحتياط والفحص بعد الظفر بالمقدار المتيقن ثبوته ، لفرض أنّه قد انحل بعد الظفر بهذا المقدار إلى قضية متيقنة وقضية مشكوك فيها.
ومجرد كون المعلوم بالاجمال هنا ذا علامة وتعيّن في الواقع لا يمنع عن انحلاله كما عرفت آنفاً ، ولا سيّما فيما إذا كان مردداً بين الأقل والأكثر كما هو كذلك في المثال ، فانّه ينحل لا محالة بالظفر بالمقدار المتيقن.
وعليه فوجوب الفحص عن الزائد على هذا المقدار يحتاج إلى دليل آخر يدل عليه بعد عدم الاطمئنان باشتمال الدفتر على الزائد عنه.
ومن هنا لو لم يتمكن من الرجوع إلى الدفتر لضياعه أو نحو ذلك لم يجب عليه الاحتياط جزماً بأداء ما يقطع معه بفراغ الذمة واقعاً ، بل يرجع إلى أصالة البراءة بالاضافة إلى الزائد على المقدار المعلوم والمتيقن ، لفرض الشك في اشتغال الذمة به ، وهذا دليل على أنّ العلم الاجمالي المزبور لا يكون منجّزاً للواقع على ما هو عليه.
ثمّ إنّ شيخنا الاستاذ قدسسره (١) بيّن وجهاً آخر لوجوب الفحص وحاصله : هو أنّ حجية أصالة العموم إنّما هي لكشفها عن مراد المتكلم في الواقع وهو متقوّم بجريان مقدمات الحكمة في مدخوله التي تكشف عن عدم دخل قيدٍ مّا في مراده ، نظراً إلى أنّ أداة العموم إنّما وضعت للدلالة على عموم ما يراد من مدخولها ولا تكون متكفلةً لبيان أنّ المراد من مدخولها هو الطبيعة المطلقة دون المقيدة ، فانّ إثبات ذلك يتوقف على جريان مقدمات الحكمة كما
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.