توجيهه إليهما بقصد التفهيم حقيقةً فهو غير معقول ، ضرورة أنّ توجيه الخطاب الحقيقي إلى الحاضر في مجلس الخطاب إذا كان غافلاً مستحيل فما ظنك بالمعدوم والغائب ، فيكون نظير الخطاب إلى الحجر فانّه لا يعقل إذا قصد به تفهيمه ، وكتوجيه الخطاب باللغة العربية إلى من لايكون عارفاً بها أو بالعكس وهكذا ، فانّ الخطاب الحقيقي في جميع هذه الموارد غير معقول.
وإن اريد بذلك شيئاً آخر كاظهار العجز أو المظلومية أو ما شاكل ذلك ، فتوجيه الخطاب بهذا المعنى إلى المعدومين فضلاً عن الغائبين بمكان من الامكان ، كما هو المشاهد في الصبي كثيراً حينما يخاف أو يضربه شخص نادى يا أباه يا امّاه مع أنّه يعلم بأنّ أباه أو امّه غير حاضر عنده فغرضه من هذا الخطاب إظهار العجز والتظلم.
فالنتيجة : أنّ الخطاب الحقيقي الذي يكون الداعي إليه قصد التفهيم لا يمكن توجيهه إلى الغائب بل إلى الحاضر إذا كان غافلاً فضلاً عن المعدوم. وأمّا الخطاب الانشائي الذي يكون الداعي إليه إظهار العجز أو الشوق أو الولاء أو ما شاكل ذلك فتوجيهه إلى المعدوم فضلاً عن الغائب بمكان من الامكان.
وهنا شق ثالث للخطاب : وهو أن يقصد المتكلم تفهيم المخاطب حينما وصل إليه الخطاب لا من حين صدوره ، كما إذا افترضنا أنّ المخاطب نائم فيكتب المتكلم ويخاطبه بقوله : إذا قمت من النوم افعل الفعل الفلاني ، أو خاطب ولده بقوله : يا ولدي إذا كبرت فافعل كذا وكذا ، أو سجّل خطابه في شريط ثمّ يرسله إلى مكان أو بلد آخر ليسمع الناس خطابه في ذلك المكان أو البلد فيكون قصده تفهيمهم من حين وصول الخطاب إليهم وسماعهم إيّاه ، لا من حين الصدور ، أو خاطب شخصاً في بلد آخر بالتلفون حيث إنّ خطابه لم يصل إليه من حين صدوره منه بل لا محالة وصوله إليه كان بعده بزمان وإن كان ذلك