حيث إنّه قسم من التخصيص وهو التخصيص بحسب الأزمان فلا فرق بينهما إلاّ في أنّ التخصيص المصطلح تخصيص بحسب الأفراد العرضية ، وذاك تخصيص بحسب الأفراد الطولية. ومن الطبيعي أنّ مجرد هذا لايوجب الحكم بجواز الأوّل وامتناع الثاني ، فلو جاز الأوّل جاز الثاني أيضاً مع أنّه ممتنع جزماً ، فيكون هذا شاهداً على امتناع الأوّل كالثاني.
وفيه : أنّ الاجماع قد قام من الخاصة والعامة على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وهذا الاجماع ليس إجماعاً تعبدياً ، بل هو من صغريات الكبرى المسلّمة وهي أنّ الشيء الفلاني من جهة كثرة ابتلاء الناس به لو كان لبان واشتهر ولكنّه لم يشتهر فيكشف عدم وجوده. والنسخ من هذا القبيل فانّه لو كان جائزاً بخبر الواحد لبان واشتهر بين العامة والخاصة بحيث يكون غير قابل للانكار ، فمن عدم اشتهاره بين المسلمين أجمع يكشف كشفاً قطعياً عن عدم وقوعه وأ نّه لا يجوز نسخ الكتاب به ، فلو دلّ خبر الواحد على نسخه لا بدّ من طرحه وحمله إمّا على كذب الراوي أو على خطائه أو سهوه كما هو الحال بالاضافة إلى إثبات قرآنية القرآن ، حيث إنّها لا تثبت بخبر الواحد حتى عند العامة ولذا لا يثبت باخبار عمر الآية : « الشيخ والشيخة إذا زنيا رجما » لأنّ إخباره بها داخل في خبر الواحد والقرآن لا يثبت به ، وإنّما يثبت بالخبر المتواتر عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وعليه فلا بدّ من حمله على أحد الوجوه الآنفة الذكر.
وعلى الجملة : فالتزام المسلمين أجمع بعدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد يكشف كشفاً جزمياً عن أنّ الأمر كذلك في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الأطهار عليهمالسلام والنكتة فيه هي التحفظ على صيانة القرآن.