تعالى لا يعلم الشيء إلاّبعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد » (١).
وقد انفقت كلمة الشيعة الإمامية على أنّ الله تعالى لم يزل عالماً قبل أن يخلق الخلق بشتى أنواعه بمقتضى حكم العقل الفطري وطبقاً للكتاب والسنّة ، بيان ذلك : أنّه لا شبهة في أنّ العالم بشتى ألوانه وأشكاله تحت قدرة الله تعالى وسلطانه المطلق ، وأنّ وجود أيّ ممكن من الممكنات فيه منوط بمشيئته تعالى وإعمال قدرته ، فان شاء أوجده وإن لم يشأ لم يوجده ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ الله سبحانه عالم بالأشياء بشتى أنواعها وأشكالها منذ الأزل وأنّ لها بجميع أشكالها تعييناً علمياً في علم الله الأزلي ، ويعبّر عن هذا التعيين بتقدير الله مرّةً وبقضائه مرّة اخرى.
ومن ناحية ثالثة : أنّ علمه تعالى بالأشياء منذ الأزل لا يوجب سلب قدرة الله تعالى واختياره عنها ، ضرورة أنّ حقيقة العلم بشيء الكشف عنه على واقعه الموضوعي من دون أن يوجب حدوث شيء فيه ، فالعلم الأزلي بالأشياء هو كشفها لديه تعالى على واقعها من الاناطة بمشيئة الله واختياره ، فلا يزيد انكشاف الشيء على واقع ذلك الشيء ، وقد فصّلنا الحديث من هذه الناحية في مبحث الجبر والتفويض بشكل موسّع (٢).
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي الثلاث : هي أنّ معنى تقدير الله تعالى للأشياء وقضائه بها أنّ الأشياء بجميع ضروبها كانت متعيّنةً في العلم الإلهي منذ الأزل على ما هي عليه من أنّ وجودها معلّق على أن تتعلق المشيئة الإلهية
__________________
(١) الغيبة : ٤٣٠ / ٤٢٠.
(٢) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٤١٨.