تكذيب الله تعالى نفسه أو أنبياءه.
وأمّا القسم الثالث فهو مورد لوقوع البداء ، ولا يلزم من الالتزام بالبداء فيه أيّ محذور كنسبة الجهل إلى الله ( سبحانه وتعالى ) ولا ما ينافي عظمته وجلاله ولا الكذب ، حيث إنّ إخباره تعالى بهذا القضاء لنبيّه أو وليّه ليس على نحو الجزم والبت ، بل هو معلّق بعدم تعلق مشيئته بخلافه ، فاذا تعلّقت المشيئة على الخلاف لم يلزم الكذب ، فانّ ملاك صدق هذه القضية وكذبها إنّما هو بصدق الملازمة وكذبها ، والمفروض أنّ الملازمة صادقة وهي وقوعه لو لم تتعلق المشيئة الإلهية على خلافه.
مثلاً إنّ الله تعالى يعلم بأنّ زيداً سوف يموت في الوقت الفلاني ويعلم بأنّ موته فيه معلّق على عدم إعطائه الصدقة أو ما شاكلها ، ويعلم بأ نّه يعطي الصدقة فلا يموت فيه ، فهاهنا قضيتان شرطيتان ففي إحداهما قد علّق موته في الوقت الفلاني بعدم تصدقه أو نحوه ، وفي الاخرى قد علّق عدم موته فيه على تصدقه أو نحوه.
ونتيجة ذلك : أنّ المشيئة الإلهية في القضية الاولى قد تعلقت بموته إذا لم يتصدق ، وفي القضية الثانية قد تعلقت بعدم موته وبقائه حيّاً إذا تصدق ، ومن الواضح أنّ إخباره تعالى بالقضية الاولى ليس كذباً ، فانّ المناط في صدق القضية الشرطية وكذبها هو صدق الملازمة بين الجزاء والشرط وكذبها لا بصدق طرفيها ، بل لا يضر استحالة وقوع طرفيها في صدقها ، فعلمه تعالى بعدم وقوع الطرفين هنا لا يضر بصدق إخباره بالملازمة بينهما. وكذا لا محذور في إخبار النبي أو الوصي بموته في هذا الوقت معلّقاً بتعلق المشيئة الإلهية به ، فانّ جريان البداء فيه لا يوجب كون الخبر الذي أخبر به المعصوم كاذباً ، لفرض أنّ المعصوم لم يخبر بوقوعه على سبيل الحتم والجزم ومن دون تعليق ،