بتعليم الله إيّاه بجميع عوالم الممكنات ، إلاّ أنّه لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون المعبّر عنه باللوح المحفوظ وبامّ الكتاب ، حيث إنّه لا يعلم بمشيئة الله تعالى لوجود شيء أو عدم مشيئته إلاّحيث يخبره الله تعالى به على نحو الحتم.
ومن ناحية ثالثة : أنّ القول بالبداء يوجب توجه العبد إلى الله تعالى وتضرّعه إليه وطلبه إجابة دعائه وقضاء حوائجه ومهماته وتوفيقه للطاعة وإبعاده عن المعصية ، كل ذلك إنّما نشأ من الاعتقاد بالبداء وبأنّ عالم المحو والاثبات بيده تعالى ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ )(١) وهذا بخلاف القول بانكار البداء وأنّ كلّ ما جرى به قلم التقدير لا يمكن أن يتغير وأ نّه كائن لا محالة ، حيث إنّ لازمه أنّ المعتقد بهذه العقيدة مأيوس عن إجابة دعائه وقضاء حوائجه ، فانّ ما يطلبه العبد من ربّه لا يخلو من أن يجري قلم التقدير بايجاده أو لا يجري ، فعلى الأوّل فهو موجود لا محالة ، وعلى الثاني لن يوجد أبداً ولن ينفعه الدعاء والتضرع والتوسل حيث يعلم بأنّ تقديره لن يتغير أبداً.
ومن الطبيعي أنّ العبد إذا يئس من إجابة دعائه وأ نّه لا يؤثر في تقديره تعالى أصلاً ، ترك التضرع والدعاء له تعالى ، لعدم فائدة في ذلك. وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين عليهمالسلام أنّها تزيد في العمر والرزق وغير ذلك مما يطلبه العبد ، ولأجل هذا السر قد ورد في الروايات الكثيرة عن الأئمة الأطهار عليهمالسلام الاهتمام بشأن البداء :
منها : ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد باسناده عن أحدهما عليهماالسلام « قال : ما عبد الله ( عزّ وجلّ ) بشيء مثل البداء » (٢).
__________________
(١) الرعد ١٣ : ٣٩.
(٢) التوحيد : ٣٣١ / ١.