وقد تحصّل مما ذكرناه : أنّ نتيجة البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية وتعتقد به هي الاعتراف الصريح بأنّ العالم بأجمعه تحت سلطان الله وقدرته حدوثاً وبقاءً ، وأنّ مشيئة الله تعالى نافذة في جميع الأشياء ، وأ نّها بشتى ألوانها باعمال قدرته واختياره ، وقد تقدم الحديث من هذه الناحية في ضمن نقد نظريتي الجبر والتفويض (١) هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ في الاعتقاد بالبداء يتضح نقطة الفرق بين العلم الإلهي وعلم غيره ، فانّ غيره وإن كان نبياً أو وصياً كنبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمكن أن يحيط بجميع ما أحاط به علمه تعالى وإن كان عالماً
__________________
مشيئته به أو بعدم تعلّقها على خلافه المعبّر عنه بعالم المحو والاثبات ، والنكتة في وقوعه فيها : هو أنّ الله تعالى يعلم بعدم الوقوع من جهة علمه بعدم وقوع ما علّق عليه في الخارج بعلمه المكنون والمخزون عنده لا يحيط به غيره أبداً.
وأمّا من أخبره تعالى بوقوعها على نحو التعليق فهو حيث لا يعلم بعدم وقوع المعلّق عليه فيه فلأجل ذلك قد يظهر ويبدو خلاف ما أخبر به ، وهذا هو البداء بالمعنى الذي تقول به الشيعة الإمامية ولا يستلزم كذب ذلك الخبر ، لفرض أنّ إخباره عن الوقوع للناس ليس على سبيل الحتم والجزم ، وإنّما كان على نحو التعليق ، ولا يتصف مثل هذا الخبر بالكذب إلاّفي فرض عدم الملازمة بين المعلّق والمعلّق عليه ، والمفروض أنّ الملازمة بينهما موجودة. وبذلك يظهر أنّ حقيقة البداء عند الشيعة هي الابداء والاظهار ، وإطلاق لفظ البداء عليه مبني على التنزيل وبعلاقة المشاكلة ، وإسناده إليه تعالى باعتبار أنّ علمه منشأ لوقوعه وجريانه.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّه لا مناص من الالتزام بالبداء بالمعنى الذي ذكرناه على ضوء الروايات وحكم العقل.
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٤١٦.