وتفصيل الكلام في المقام : أنّه يريد تارةً بالقدر المتيقن القدر المتيقن الخارجي ، يعني أنّه متيقن بحسب الارادة خارجاً من جهة القرائن ، منها : مناسبة الحكم والموضوع.
ومن الواضح أنّ مثل هذا المتيقن لا يمنع عن التمسك بالاطلاق ، ضرورة أنّه لا يخلو مطلق في الخارج عن ذلك إلاّنادراً ، فلو قال المولى : أكرم عالماً فانّ المتيقن منه هو العالم الهاشمي الورع التقي ، إذ لا يحتمل أن يكون المراد منه غيره دونه ، وأمّا احتمال أن يكون المراد منه ذلك دون غيره فهو موجود. ومن هذا القبيل قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ )(١) فانّ القدر المتيقن منه هو البيع الموجود بالصيغة العربية الماضوية ، إذ لا يحتمل أن يكون المراد منه غيره دونه.
واخرى يريد به القدر المتيقن بحسب التخاطب ، وهذا هو مراد صاحب الكفاية قدسسره دون الأوّل ، وقد ادعى قدسسره منعه عن التمسك بالاطلاق.
ولكنّ الظاهر أنّه لا يمكن المساعدة على هذه الدعوى ، والسبب فيه : أنّ المراد بالقدر المتيقن بحسب التخاطب هو أن يفهم المخاطب من الكلام الملقى إليه أنّه مراده جزماً ، ومنشأ ذلك امور : عمدتها كونه واقعاً في مورد السؤال ، مثلاً في موثقة ابن بكير « سأل زرارة أبا عبدالله عليهالسلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله إنّ الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.