ومن هنا ذكر قدسسره (١) وغيره أنّ غلبة استعمال الأمر في الندب لا تمنع عن ظهوره في الوجوب عند الاطلاق ورفع اليد عنه. والحاصل : أنّ الظهور متبع ما لم تقم قرينة على خلافه ، ولا قرينة في المقام على خلاف ظهور دليل المقيد في تعيين المراد من المطلق ، والغلبة لا تصلح أن تكون قرينةً على ذلك.
ثانيها : أيضاً ما ذكره قدسسره وحاصله : هو أنّ ثبوت استحباب المطلق إنّما هو من ناحية قاعدة التسامح في أدلة السنن ، فانّ عدم رفع اليد عن دليل استحباب المطلق بعد مجيء المقيد وحمله على تأكد استحبابه من التسامح فيها.
ويرد عليه وجوه : الأوّل : أنّ دليل المقيد إذا كان قرينة عرفاً للتصرف في المطلق وحمله على المقيد لم يصدق عنوان البلوغ على المطلق حتى يكون مشمولاً لتلك القاعدة ، فان دليل المقيد إذا كان متصلاً به منع عن أصل انعقاد الظهور له في الاطلاق ، وإن كان منفصلاً عنه منع عن كشف ظهوره في الاطلاق عن المراد الجدي ، وعلى كلا التقديرين لا يصدق عليه عنوان البلوغ.
الثاني : أنّا قد ذكرنا في محلّه (٢) أنّ مفاد تلك القاعدة ليس هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب ، بل مفادها هو الارشاد إلى ما استقل به العقل من حسن الاتيان به برجاء إدراك الواقع.
الثالث : أنّا لو سلّمنا أنّ مفادها هو استحباب العمل شرعاً إلاّ أنّه حينئذ لا موجب لكون المقيد من أفضل الأفراد ، حيث إنّ استحبابه ثبت بدليل واستحباب المطلق ثبت بدليل آخر أجنبي عنه ، فاذن ما هو الموجب لصيرورة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٧٠.
(٢) مصباح الاصول ٢ : ٣٦٨ وما بعدها.