انطباق هذا العنوان ـ أعني عنوان المخالفة على هذا الترك ـ يكون ذا مصلحة غالبة على مصلحة الفعل ، فإذن يكون الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين ، وحيث إنّ المكلف لا يتمكن من الجمع بينهما في مقام الامتثال ، فلا بدّ من الالتزام بالتخيير إذا لم يكن أحدهما أهم من الآخر ، وإلاّ فيقدّم الأهم على غيره.
وفي المقام بما أنّ الترك أهم من الفعل فيقدّم عليه ، وإن كان الفعل أيضاً يقع صحيحاً ، لعدم قصور فيه أصلاً من ناحية الوفاء بغرض المولى ومحبوبيته ، كما هو الحال في جميع موارد التزاحم بين المستحبات ، فانّه يصحّ الاتيان بالمهم عند ترك الأهم من جهة اشتماله على الملاك ومحبوبيته في نفسه ، بل الأمر كذلك في الواجبات المتزاحمات ، فانّه يصحّ الاتيان بالمهم عند ترك الأهم ، لا من ناحية الترتب ، لما تقدّم في بحث الضد (١) من أنّه قدسسره من القائلين باستحالة الترتب وعدم إمكانه ، بل من ناحية اشتماله على الملاك والمحبوبية.
وإن شئت فقل : إنّ النهي في أمثال هذه الموارد غير ناشٍ عن مفسدة في الفعل ومبغوضية فيه ، بل هو ناشٍ عن مصلحة في الترك ومحبوبية فيه ، وهذا إمّا من ناحية انطباق عنوان ذي مصلحة عليه ، ولأجل ذلك يكون تركه أرجح من الفعل ، ولكن مع ذلك لا يوجب حزازة ومنقصة فيه أصلاً ، فلو كان النهي عنه نهياً حقيقياً ناشئاً عن مفسدة ومبغوضية فيه لكان يوجب حزازة ومنقصة لا محالة ، ومعه لا يمكن الحكم بصحته أبداً ، لاستحالة التقرب بما هو مبغوض للمولى. وإمّا من ناحية ملازمة الترك لعنوان ذي مصلحة خارجاً من دون انطباق ذلك العنوان عليه ، كما إذا فرضنا أنّ عنوان المخالفة لبني اميّة ( عليهم اللعنة ) لا ينطبق على نفس ترك الصوم يوم عاشوراء ، بدعوى استحالة انطباق العنوان
__________________
(١) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٤٤٢.