وخلاصة الفرق : أنّ العلم الاجمالي المسبوق بالاضطرار إلى المعيّن يكون وارداً على ما يصدمه ويحكم عليه ، بخلاف المسبوق بالاضطرار إلى غير المعيّن فإنّه مؤثّر أثره من وجوب الاجتناب على كلّ تقدير ، فلم يبق بأيدينا إلاّتحكيم دليل الاضطرار على الاطلاق الأحوالي في كلّ منهما ، وتكون هذه العملية من التحكيم متأخّرة في الرتبة عن تأثير العلم الاجمالي ، ويكون الحاصل حينئذ هو التبعيض (١).
لا يقال : بعد أن فرضتم سقوط الاطلاق بدليل الحرج ، لا تكون الميتة الواقعية الموجودة في البين حراماً في الواقع قبل الإقدام على إحدى السمكتين لحصول ما هو الشرط في كون الاجتناب عنها حرجياً ، وهو عدم الإقدام على طرفها الذي هو مباح واقعاً ، وحينئذ نقول : إنّه عند إقدامه على إحدى السمكتين يعلم تفصيلاً بأنّها غير محرّمة واقعاً ، لأنّها إن لم تكن هي الميتة فواضح ، وإن كانت هي الميتة ، فلأنّ فرض الإقدام عليها في ظرف ترك مقابلها ، وقد قرّرتم أنّه في ظرف ترك أحد الطرفين يكون الطرف الآخر مسلوب الحرمة حتّى لو اتّفق أنّه هو الميتة واقعاً ، بمعنى أنّ حرمة الميتة الموجودة في البين ووجوب الاجتناب عنها يكون مقيّداً بعدم الاجتناب عن تلك الأُخرى التي هي مباحة في الواقع ،
__________________
(١) هذا ولكن المطلب بعدُ لا يخلو عن إشكال ، فإنّ سقوط تأثير العلم الاجمالي في هذا الذي يختاره لسدّ ضرورته موقوف على كون العلم الاجمالي مانعاً من ارتكابه الطرف الآخر ، ولا يكون العلم مانعاً عن ارتكاب ذلك الطرف الآخر إلاّمن جهة كونه منجّزاً على كلّ حال ، سواء كان المعلوم في الطرف الآخر أو كان في هذا الطرف الذي يختاره ، فكان سقوط تأثير العلم الاجمالي في هذا الطرف الذي يختاره متوقّفاً على تأثيره التنجيز فيه [ منه قدسسره ].