وحينئذ ففي حال ارتكابهما لمّا كان قد ارتفع اضطراره بارتكابه لأحدهما ، كان وجوب الاجتناب عن النجس الموجود في البين غير موقع له في الاضطرار ، فيكون بذلك قد ارتكب النجس في حال كونه غير مضطرّ إليه ، وهذا بخلاف ما لو ارتكب أحدهما فإنّه عند ارتكابه كان مضطرّاً إليه ، فلو كان هو النجس لم يكن اجتنابه واجباً ، لتحقّق شرط ارتفاع التكليف بالاجتناب عن النجس ، وهو عدم الارتكاب الرافع لاضطراره ، وحينئذ فعند إقدامه على الثاني لا يكون إلاّمن قبيل الإقدام على ما يحتمل كونه هو النجس (١)
__________________
(١) بل ربما يقال : إنّه في مرتبة ارتكابهما دفعة واحدة لا يكون الاجتناب عن النجس الذي هو بينهما منجّزاً عليه ، لأنّ تنجّزه إنّما يكون معلولاً لارتفاع اضطراره ، وهو ـ أعني ارتفاع الاضطرار ـ إنّما يكون معلولاً للارتكاب ، وحينئذ لابدّ أن يكون توجّه الاجتناب عن النجس متأخّراً عن الارتكاب رتبة ، فلا يعقل أن يكون في عرض الارتكاب.
بل قد يقال : إنّ توجّه وجوب الاجتناب متأخّر زماناً عن الارتكاب فضلاً عن كونه متأخّراً عنه رتبة ، لأنّه إنّما يتوجّه في حال كونه غير مضطرّ إليه ، ولا يكون ذلك إلاّبعد تحقّق الارتكاب ، ولا يكفي في توجّهه وقوعه في زمان الارتكاب ، فنحن وإن أمكننا دفع إشكال التأخّر الرتبي ، بدعوى أنّ ارتكاب غير النجس وإن وقع مقارناً في الزمان مع ارتكاب النجس ، إلاّ أنه لا مانع من كون ارتكاب غير النجس متقدّماً رتبة على ارتكاب النجس ، ليصحّ أن يكون ارتكاب غير النجس شرطاً في توجّه وجوب الاجتناب عن النجس الذي هو ـ أعني الوجوب المذكور ـ سابق في الرتبة على ارتكاب النجس ، ليكون ارتكاب النجس عصياناً لذلك الوجوب ، إلاّ أنه ـ أعني توجّه وجوب الاجتناب عن النجس ـ لابدّ أن يكون متأخّراً زماناً عن ارتكاب غير النجس ، والمفروض أنّ ارتكاب النجس لم يتأخّر زماناً عن ارتكاب غير النجس ليكون ارتكابه ـ أعني النجس ـ عصياناً لوجوب الاجتناب عنه [ منه قدسسره ].