وإن قلت : إنّ الترخيص لا يرد على ما يختاره ، بل يرد على أحدهما ، فقهراً يكون الترخيص الواقعي متّجهاً إلى المباح منهما ، فلا يصادم التكليف الواقعي الموجود بينهما ، وحينئذ ينبغي القول بأنّ الاضطرار إلى المعيّن لا يسقط العلم الاجمالي مطلقاً حتّى لو كان قبل العلم أو مقارناً له كما أفاده شيخنا قدسسره ، غايته أنّ المكلّف لجهله ربما يقع في مخالفة التكليف ، لكن المسوّغ له ذلك حينئذ هو الجهل بما هو النجس واقعاً ، لا اضطراره إلى شرب النجس.
ثمّ إنّ لصاحب الكفاية قدسسره في مقدّمات الانسداد في كيفية تحكيم أدلّة العسر والحرج على مقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط الحرجي كلاماً حاصله تحكيم تلك الأدلّة على نفس التكليف الواقعي وسقوط الاحتياط بالمرّة. ولم أتوفّق للوجه في العدول عنها في المقام وسلوك هذه الطريقة التي عرفت الإشكال فيها ، اللهمّ إلاّ أن تكون تلك الطريقة غير تامّة عنده كما أشار إليه هناك بقوله : نعم لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل ، لكانت قاعدة نفيه محكّمة على قاعدة الاحتياط ، لأنّ العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة المنفية بنفيه الخ (١) ، فإنّ قوله : « كما قيل » يشعر بأنّه لا يرتضيه ، ولذلك نسبه إلى القيل.
وعلى أيّ حال ، فبناءً على هذه الطريقة يكون الاضطرار إلى غير المعيّن موجباً لسقوط الاحتياط بالمرّة حتّى لو كان حادثاً بعد العلم الاجمالي ، فإنّه يكون موجباً لسقوط العلم الاجمالي من حين الاضطرار ، وإن كان العلم قبل طروّه منجّزاً في الطرفين كما لا يخفى ، وقد تقدّم ما فيه مزيد توضيح لهذه الجهات ، أعني بيان كيفية المصادمة بين دليل العسر والحرج ودليل الحكم الواقعي المعلوم وجوده في البين.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣١٣ [ وفيها : فتكون منفية بنفيه ].