وليس غرضنا الآن إلاّ التأمّل فيما أفاده في حاشية الكفاية من الفرق بين كون الاضطرار الحاصل بعد العلم الاجمالي اضطراراً إلى واحد معيّن ، فلا يسقط العلم الاجمالي عن التأثير فيما لم يضطرّ إليه ، وبين كونه اضطراراً إلى غير المعيّن ، فيكون مسقطاً للعلم الاجمالي عن التأثير فيما لا يختاره لسدّ اضطراره.
فنقول : لنفرض الآن أنّ له آنيتين صغرى وكبرى ، وقد وقعت الآن نجاسة مردّدة بينهما ، ولنفرض أيضاً أنّه فعلاً عالم بأنّه بعد يوم يضطرّ إلى إحداهما غير المعيّن ، فهو إن وسّط الاختيار يقول أنا الآن عالم بأني يجب عليَّ الآن الاجتناب عن النجس الموجود في البين ، لكنّه إن كان في الذي أختاره بعد ذلك لسدّ ضرورتي فذلك الوجوب عمره محدود باليوم المذكور ، وإن كان في الذي لا أختاره فيما بعد فهو غير محدود ، فيرجع حاله إلى حال الاضطرار إلى المعيّن في كونه مردّداً بين الطويل والقصير ، الذي اعترف أنّه لا يسقط العلم الاجمالي عن التأثير في الطويل.
وإن لم يوسّط الاختيار يقول أنا فعلاً عالم بأنّي يجب عليَّ فعلاً الاجتناب عن النجس الموجود في البين ، فإن كان في الكبرى كان ذلك باقياً إلى ما بعد الاضطرار ، إذ لا يكون اضطراري مصادماً له ، بل يكون اضطراري الآتي متّجهاً في الواقع إلى غير ذلك النجس الذي هو الكبرى ، وكذلك الحال لو كان ذلك التكليف في الصغرى ، وحينئذ يكون الاضطرار إلى غير المعيّن غير مصادم مع التكليف الواقعي الموجود في البين ، ولازم ذلك أن لا يكون الاضطرار المذكور مزاحماً مع التكليف الفعلي الواقعي المعلوم في البين ، فلا يؤثّر في إسقاط العلم ، سواء كان سابقاً على العلم أو كان متأخّراً عنه ، ولا يكون لذلك الاضطرار أثر إلاّفتح باب احتمال ارتكاب النجس الواقعي لسدّ ضرورته عن جهل بنجاسته ، ويكون