بخلاف ما لو كان الارتكاب تدريجياً ، فإنّه قبل ارتكاب شيء منهما وإن كان عالماً بأنّه لو ارتكب أحدهما يتحقّق في حقّه وجوب الاجتناب عن النجس ، إلاّ أنه مع ذلك يقول : إنّي لو ارتكبت الأوّل فلا شبهة في كونه رافعاً للاضطرار ، وأنّه لو كان هو الطاهر لكان ارتكابه موجباً لتحقّق وجوب الاجتناب عن النجس ، لكن بعد ارتكابي للأوّل لا يكون ارتكابي للثاني رافعاً للاضطرار ليكون موجباً لتحقّق وجوب الاجتناب في الأوّل ، ليكون الحاصل فعلاً ـ أي قبل الارتكاب التدريجي ـ هو أنّي أعلم إجمالاً إمّا بالمنع عن الثاني بعد ارتكابي الأوّل ، وإمّا بالمنع من الأوّل بعد ارتكابي للثاني ، ليكون علمي الاجمالي المذكور مانعاً لي فعلاً من حصول العلم التفصيلي بحلّية الأوّل ، وذلك لما عرفت من سقوط هذا العلم الاجمالي ، لأنّ الارتكاب المحقّق لوجوب الاجتناب هو خصوص الرافع للاضطرار ، والمفروض أنّ ارتكابي للثاني بعد ارتكاب الأوّل لا يكون رافعاً للاضطرار ، فأنا الآن لا أحتمل أنّ ارتكابي للأوّل إذا عقّبته بارتكابي للثاني يكون ممنوعاً عنه. ولكن هذا كلّه لو لاحظهما مترتّبين ، لكن لو لاحظ أنّي أعلم بأنّ ارتكاب كلّ منهما محقّق للوجوب في الآخر ، لم يكن في ذلك العلم خدشة.
ثمّ إنّه ربما يتوهّم أنّ ما هو محلّ كلام العروة من ضيق الوقت عن تمام الأربع ، خارج عن مسألة الخلاف في الاضطرار إلى غير المعيّن قبل العلم أو مقارناً له ، لأنّ ضيق الوقت من قبيل طروّ الاضطرار بعد العلم ، وهو ممّا لا خلاف في أنّه لا يرفع تنجّز العلم السابق.
ولا يخفى الجواب عن هذا التوهّم ، فإنّ عمدة الكلام إنّما هو في الوجه في تحكيم دليل الاضطرار في المقام ، مع أنّ التكليف الواقعي الشرعي ليس في حدّ نفسه ضررياً ولا حرجياً ، وحكم العقل بجميع الأطراف ليس بشرعي كي يرتفع