منها ليس منوطاً بالتمكّن العادي من المعصية ، إذ لا يكون الحكم العقلي إلاّكلّياً كبروياً غير منوط بتحقّق موضوعه ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الحسن والقبح العقليين تابعان للقدرة. وفيه تأمّل ، لأنّ ذلك إنّما هو في استحقاق المدح والذمّ ، دون مجرّد الحسن والقبح.
وفيه : ما لا يخفى ، فالأولى أن يقال : إنّ حكم العقل بالقبح منوط بالقدرة والاختيار ، وحيث لا يكون الفعل مقدوراً كالطيران إلى السماء مثلاً ، لا يحكم العقل بقبحه ، لكنّه لا يحكم بعدم قبحه ، بل يكون ذلك خارجاً عن الصلاحية للحكم بالقبح والحكم بعدم القبح ، بل أقصى ما فيه هو عدم الحكم بالقبح لا الحكم بعدم القبح.
وبالجملة : أنّ العقل يحكم بقبح المعصية القطعية وبالتنفّر منها وبالزجر عنها ، لكنّها لو كانت غير مقدورة لا تكون مورداً لحكمه ، لا أنّه يحكم بعدم قبحها ، والمخالفة القطعية إذا لم تكن مقدورة عقلاً تكون من هذا الوادي ، أعني وادي عدم الحكم بالقبح ، لا من وادي الحكم بعدم القبح ، ومن الواضح أنّ مجرّد ذلك ـ أعني عدم حكمه بالقبح من باب السالبة بانتفاء الموضوع ـ لا يوجب حكم العقل بالترخيص في المخالفة القطعية ، غايته أنّه لا يحكم بالترخيص ، على حدّ عدم حكمه بالزجر ، يعني أنّه من باب خروج المورد عن تحت سيطرة الحكم العقلي منعاً وترخيصاً ، فلا يكون ذلك إلاّمن قبيل من علم بحرمة أحد فعلين لا يسع الزمان إلاّ أحدهما ، كما لو علم بحرمة إنقاذ أحد الغريقين وإباحة إنقاذ الآخر لا وجوبه ، فإنّ المخالفة القطعية في أمثال ذلك غير مقدورة عقلاً ، لكن ذلك لا يوجب سقوط لزوم الموافقة القطعية بترك إنقاذهما ، بناءً على كون العلم الاجمالي علّة لوجوب الموافقة القطعية. أمّا بناءً على أنّ لزوم الموافقة القطعية