نفسه وجداناً عند علمه بذلك الأمر ، وعن تلك الارادة القطعية تنشأ الارادتان الاحتماليتان ، فإذا اعتبرنا الاطاعة الجزمية ببرهان أنّ الأمر يقتضي الانبعاث عن نفسه ، كان من الضروري أن نقول إنّه لابدّ من اعتبار التحرّك عن ذلك الأمر ، وأنّه لابدّ أن تتولّد في نفس العبد إرادة امتثال نفس ذلك الأمر ، وهي إرادة جزمية خالية من شائبة الاحتمال ، غايته أنّه يقع الاحتمال فيما يتولّد عن تلك الارادة الجزمية من الارادتين الاحتماليتين.
فنحن إن قلنا إنّ هذا الأمر الواقعي المعلوم بالاجمال عاجز عن أن يولّد إرادة امتثاله في حقّ المكلّف ، كان محصّله أنّ هذا الأمر لا يقتضي الامتثال ، فيكون العلم الاجمالي به ساقطاً لا أثر له ، وذلك عبارة أُخرى عمّا تقدّم نقله عن المحقّق الخونساري في أوّل المبحث الثالث ص ٤٠ (١). وحيث قد أبطلنا ذلك القول كان من الضروري أن نقول : إنّ ذلك الأمر المعلوم صالح لأن يولّد إرادة امتثاله في حقّ المكلّف ، ولا ريب أنّ تلك الارادة إرادة جزمية ، وإذا انقدحت إرادة امتثال ذلك الأمر في نفس المكلّف ، كان من الضروري أن تتولّد في نفسه الارادتان الاحتماليتان ، وتكون تلك الارادة الجزمية مستمرّة مع الارادتين إلى ما بعد الفراغ عن متعلّق كلّ منهما.
وهذا بخلاف الشبهة البدوية بالنسبة إلى كلّ من الفعلين ، فإنّه لو فرضنا وجود أمر واقعي متعلّق بالظهر أو أمر واقعي متعلّق بالجمعة ، أو فرضنا وجود الأمرين معاً ، فإنّ ذلك الأمر بوجوده الواقعي عاجز عن أن يولّد في نفس المكلّف إرادة متعلّقة بامتثاله ، بحيث يكون امتثاله بوجوده العلمي داعياً ومحرّكاً على إرادة
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ١٢٤ ، راجع أيضاً الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٢٠٨ من هذا المجلّد.