ومع قطع النظر عن ذلك نقول : إنّه إن أُريد من استصحاب بقاء الفرد المردّد إثبات وجوب الباقي كان الأصل المذكور مثبتاً ، وإن أُريد من الحكم ببقاء ذلك الفرد المردّد هو لزوم الاتيان بالفرد الباقي لأنّه أحد الفردين ، كان من قبيل الاحراز التعبّدي لما هو محرز بالأصل ، هذا كلّه.
مضافاً إلى أنّ استصحاب الفرد المردّد بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع لا يجري في حدّ نفسه ، لأنّ الشكّ إنّما هو في حدوث ما يبقى لا في بقاء ما حدث ، نعم قبل الاتيان بأحد الفردين يمكن استصحاب الفرد المردّد فيما لو شكّ في أنّه أتى بهما أو لم يأت بشيء منهما.
وأمّا ما أُفيد من الايراد عليه بأنّ لازمه الاتيان بكلا الفردين ، فيمكن دفعه بأنّه وإن كان الأثر المترتّب على بقاء الفرد المردّد هو الاتيان بكلا الفردين ، إلاّ أنه لمّا كان قد أتى بالفرد السابق كان له الاكتفاء بالاتيان بالفرد الباقي ، فتأمّل فإنّ هذا إنّما يتمّ فيما لو كان العلم الاجمالي حاصلاً قبل فعل أحدهما ، وأمّا لو كان حصوله بعد فعل أحدهما ففيه إشكال تعرّضنا له في حاشية ص ١٥٣ (١) من مباحث الاستصحاب ، فراجع.
قوله : ولا يقاس ما نحن فيه على ما إذا علم بمتعلّق التكليف تفصيلاً وشكّ في امتثاله ، حيث إنّه يجري استصحاب بقاء التكليف بلا كلام ... الخ (٢).
الأولى أن يقال : إنّ للعقل في باب الاطاعة حكمين :
أحدهما : الحكم بلزوم الاطاعة بعد إحراز تنجّز التكليف ، سواء كان تنجّزه
__________________
(١) وهي الحاشية الآتية في المجلّد التاسع من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣٠٨ ومابعدها.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ١٣٣.