حيث إنّ الأمر المتعلّق بالمركّب قابل للتقطيع ، فيكون تعلّقه بالأقل معلوماً وتعلّقه بالزائد عليه مشكوكاً. وهذا بخلاف السببية فإنّ نفس السببية المجعولة الواردة على المركّب لا تتقطّع بحسب كثرة الاجزاء وقلّتها ، فهي في الحقيقة خارجة عن التردّد بين الأقل والأكثر ، بل تكون السببية الواردة على الأكثر مباينة للسببية الواردة على الأقل ، لا أنّ السببية الواردة على الأقل موجودة في ضمن السببية الواردة على الأكثر ، فلا يكون في البين قدر متيقّن كي يؤخذ به وينفى الزائد بالأصل كما في التكليف الوارد على ما هو مردّد بين الأقل والأكثر ، حيث إنّ الوجوب الوارد على الأقل يكون حاصلاً في ضمن الوجوب الوارد على الأكثر ، ويكون ورود الوجوب على القدر الزائد مشكوكاً ، فينفى بالأصل.
نعم ، لو قلنا في مسألة التكليف المتعلّق بما هو مردّد بين الأقل والأكثر ، بأنّ التكليف الوارد على الأكثر يباين التكليف الوارد على الأقل ، لم يمكن أن يقال إنّ الأقل معلوم والأكثر مشكوك ، كما لم يمكن أن يقال إنّ سببية الأقل معلومة وسببية الأكثر مشكوكة أو بالعكس ، بل تكون كلّ من سببية الأقل وسببية الأكثر مشكوكة ، كما يكون كلّ من وجوب الأقل ووجوب الأكثر مشكوكاً (١).
وبالجملة : أنّ عمدة الفارق بين السببية والتكاليف ، هو أنّ الوجوب قابل للتقطيع بخلاف السببية ، ولأجل أنّ الوجوب قابل للتقطيع نقول : إنّ تعلّق الوجوب بالأقل معلوم وتعلّقه بذلك المقدار الزائد مشكوك فينفى بالأصل ، فيكون المنفي بالأصل هو وجوب الزائد ، لا أنّ المنفي به هو وجوب الأكثر بتمامه كما ربما يتراءى من ظاهر تعبير هذا التقرير ، فإنّ نفي وجوب الأكثر بتمامه لا يثبت وجوب الأقل ، بل هما حينئذ متباينان.
__________________
(١) [ في الأصل « معلوماً » بدل « مشكوكاً » والصحيح ما أثبتناه ].