فإنّه لا يمكن تأتّيه فيما نحن فيه ، فإنّ الظاهر أنّ التخيير في المسألة الفرعية إنّما يمكن أن يتأتّى فيما لو كان كلّ من الخبرين متضمّناً لحكم إلزامي ، أمّا لو كان أحدهما دالاً على الوجوب مثلاً ، وكان الآخر دالاً على مجرّد عدم الوجوب أو على الاباحة ، فلا معنى للقول بالتخيير في العمل وإسقاط الخبرين ، لأنّ التخيير في العمل الفرعي عبارة أُخرى حينئذ عن الأخذ بالخبر الدالّ على عدم الوجوب أو الاباحة ، والمفروض أنّ التعارض فيما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ الخبر الدالّ على عدم الجزئية يكون مفاده عين الحكم بالتخيير في المسألة الفرعية ، فلاحظ وتأمّل.
وخلاصة البحث : أنّه لو قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم زيداً ، وورد أيضاً دليل يقول : أكرم زيداً ، فقد تعارض الخاصان في زيد ، فالعام تارةً نقول إنّه مرجّح للثاني منهما ، وحينئذ يسقط قوله : لا تكرم زيداً. وأُخرى نقول إنّه مرجع ، بأن نقول إنّ أدلّة التخيير في باب التعارض لا تشمل صورة وجود العام ، وحينئذ يتساقط الخاصان ، ويكون المرجع هو العموم. وثالثة نقول إنّ العام ليس بمرجّح ولا مرجع ، بل يكون الحكم هو التخيير بين الخاصين ، سواء قلنا إنّه تخيير في المسألة الأُصولية أو تخيير في المسألة الفرعية. ورابعة نقول إنّ العام يكون مرجعاً لو كان التخيير الذي توجبه أخبار التعادل هو التخيير في المسألة الفرعية ، لأنّ ملاكه هو عدم الدليل ، والمفروض وجود الدليل في المسألة وهو العموم ، أمّا لو كان ذلك التخيير تخييراً في المسألة الأُصولية ، فلا مانع منه مع فرض وجود العموم ، وحينئذ فإن اختار المجتهد الخبر الموافق للعام وهو قوله أكرم زيداً ، فواضح ويكون العمل حينئذ بكلّ من العام وموافقه ، وإن اختار الخبر المخالف للعام وهو قوله لا تكرم زيداً ، كان ذلك عبارة أُخرى عن إسقاط العام في المورد