الاستطاعة ، يعني أنّه لو وجب في كلّ عام مرّة لكان ذلك غير مستطاع ، فلو كان المراد من الاستطاعة هنا عدم القدرة العقلية ، لم تكن الجملة المذكورة صحيحة ، إذ ليس وجوب الحجّ في كلّ عام غير مقدور عقلاً. مضافاً إلى أنّه لا يصحّ ما رتّبه صلىاللهعليهوآله على عدم الاستطاعة من قوله : « ولو تركتم لكفرتم » فإنّ ترك غير المقدور لا يوجب العصيان فضلاً عن الكفر ، فهاتان الجهتان مانعتان من حمل الاستطاعة في هذا المقام على القدرة العقلية ، وهما أيضاً مانعتان من حمل الاستطاعة على ما يقابل العسر والحرج ، فإنّ وجوب الحجّ في كلّ عام وإن كان فيه العسر والحرج بالنسبة إلى بعض المكلّفين ، إلاّ أنه لا عسر فيه بالنسبة إلى البعض الآخر ، وذلك كافٍ في عدم صحّة الجملة المتضمّنة لقوله صلىاللهعليهوآله : « ولو وجب ما استطعتم » وهي الجهة الأُولى من الإشكال.
أمّا الجهة الثانية منه ، فهي واردة أيضاً على هذا التقدير ، لأنّ ترك ما فيه العسر والحرج لا يكون موجباً للعقاب ، لقوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) فكيف يصحّ أن يقول صلىاللهعليهوآله : « ولو تركتم لكفرتم » فلابدّ أن يكون المراد من الاستطاعة في المقام الاستطاعة العرفية ، في قبال مشقّة التكليف وإن لم يكن حرجياً ، نظير قوله صلىاللهعليهوآله : « لولا أن أشقّ على أُمّتي لأمرتهم بالسواك » (١) إذ لا يتضمّن الأمر بالسواك إلاّمجرّد مشقّة التكليف ، من دون أن يكون في البين بالنسبة إلى غالب المكلّفين تكليف بغير المقدور أو بما فيه العسر والحرج ، وحينئذ فيكون محصّل قوله صلىاللهعليهوآله : « لو قلت في كلّ عام لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم » هو أنّه لو أوجب عليهم الحجّ في كلّ عام لكان في ذلك مشقّة زائدة على مشقّة التكليف به في العمر مرّة ، ولو تركوه لأجل تلك
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ : ١٧ / أبواب السواك ب ٣ ح ٤.