متعلّقهما الموجب لعدم التمكّن من تحصيل الموافقة القطعية لكلّ منهما ، لأنّ الموافقة القطعية لأحدهما ملازمة للمخالفة القطعية للآخر ، وحينئذ فيدور الأمر فيه بين الموافقة القطعية لأحدهما المقرونة بالمخالفة القطعية للآخر ، وبين الموافقة الاحتمالية لكلّ منهما ، والعقل حاكم بلزوم الثاني وطرح الأوّل ، وتكون النتيجة كما أفاده الشيخ قدسسره (١) من التخيير بين ترك أحد الفعلين وفعل الآخر.
ومن ذلك يتّضح لك أنّه لا ينحصر التدافع بين الحكمين بباب التعارض وباب التزاحم ، بل إنّ في البين قسماً ثالثاً وهو ما نحن فيه. والحاصل أنّ نسبة العلم الاجمالي إلى كلّ من الحكمين على حدّ سواء ، وأهميّة أحدهما لا توجب انحصار التنجّز به ، هذا حاصل ما فهمته من إفاداته قدّس الله سرّه وعطّر رمسه.
ولكنّه إنّما يتمّ في أصل مسألة دوران الأمر بين المحذورين وما يلحق بها ، وهو النحو الثاني ممّا ذكرناه ، لإمكان القول بأنّ أهميّة الايجاب مثلاً لا توجب تنجّزه ، وهذا سهل ، لأنّه لو التزم بجانب الايجاب لم يلزم منه المخالفة القطعية لتكليف آخر منجّز ، بخلاف النحو الأوّل ، فإنّ كلّ واحد من الايجاب والتحريم منجّز بالعلم الاجمالي في متعلّقه المردّد بين المتباينين ، غايته أنّ إطاعة كلّ واحد من هذين التكليفين مزاحمة بعصيان الآخر ، فهو لا يقدر على الجمع بين الاطاعتين ، وتكون إطاعة كلّ منهما مقرونة بمخالفة الآخر ، فينبغي الترجيح بما هو أهمّ.
ثمّ إنّه قدسسره كان قبل هذا يستدلّ على لزوم الترجيح بالأهمية بما هو المعلوم من مذاق الفقهاء أنّهم لا يسوّغون الإقدام على قتل الشخصين اللذين يعلم كون أحدهما مؤمناً والآخر مرتدّاً فطرياً ، ولا الاقدام على وطء كلا المرأتين اللّتين
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٤٠٣.